قديماً كنا نقول هذه العبارة وفيها ما فيها من السخرية والاستهزاء بالمعلومات القادمة إلينا من الصحافة، وهنا لا نتكلم عن الصحافة السورية، ولا العربية، إنما نشمل الصحافة العالمية ذاتها التي كانت وما تزال تضخ لنا الأخبار والتحليلات التي تخدم مصالحها الاستعمارية الكلاسيكية….
اليوم ومع الانفجار البركاني للإعلام بتبعاته المختلفة الفضائية والفيسبوكية والهواتف الذكية التي تعتبر أهمّ أدوات التجسس… هل نستطيع أن نقول “حكي إعلام”؟ بكل ما تحمل العبارة من سخرية على عدم المصداقية.
الجواب يحتمل أكثر من إجابة: فالإعلام من جهة يسقط دولاً ويستعيض عنها بدويلات بديلة، كما أنه يسقط أنظمة ويستعيد عنها بالفوضى.
أصبح بمقدور الإعلام أن يسقط قادة شعوب ويستعيض عنها بقيادات طوائف وأحزاب وفئات.
انطلاقاً من هذه الإجابة لا يمكن أن نستهين بالقدرة التدميرية للإعصار الإعلامي الناري القادم بحمم الخراب والويلات والفوضى والتقسيم والقتل على الهوية، فهو يهدم واقعاً حقيقياً ويبني عالماً من الوهم بل ويخلق له سكاناً وهميين افتراضيين، بينما يطبق السيطرة على أرض الوقع؛ من يدير هذا الإعلام؟.
أما عندما نجنح باتجاه الفكر والواقع المنطقي فإن ثقتنا بالإعلام وتبعاته، تكاد تكون تحت الصفر بدرجات كبيرة على اعتبار أن الصفر هو رقم يمكن أن لا يدلل على العدم.
هناك شرائح إنسانية كبيرة، عربية وغربية، فقدت ثقتها بالإعلام الذي أسقط القانون الأخلاقي والقيمي والقانون الدولي، لصالح شبق الصهيونية العالمية إلى امتلاك العالم ولو استلمته رماداً، لأن ما يهمها جوف الأرض ولا يهمها أن تفنى شعوبٌ كاملة بمخزونها الإنساني المتعدد.
فائض الوعي لدى هذه الشرائح يجعلها تنفر من الإعلام ومن القنوات التي تحاكي التفرقة الطائفية والدينية، أو تلك التي تحاكي الغرائز الجنسية وكل ما يذهب بالعقل، كما أن هذه الشريحة كفرت بالمحللين الذين يتاجرون بالكلام البعيد عن الصورة الحقيقية للواقع.
وإذا اعتبرنا أن الإعلام استعاض عن الثقافة الفكرية الراسخة والمدونة في أمهات الكتب سواء كانت ورقية أم رقمية، بثقافة يومية سطحية، تفقد قيمتها بعد أجزاء من الدقيقة، كما أنها لا تحتفظ بمكان لها في الذاكرة، بل تتبخر المعلومات بعد سماعها مباشرة لأن المقصود بالضخ المعلوماتي الهائل عدم الاحتفاظ بالمعلومة نفسها حتى لو كانت سطحية، بهذا المعنى أيضاً هناك أزمة ثقة مع الإعلام.
وإذا اعتبرنا أن الإعلام يتبع لسلطة المال أو لسلطة الدولة فإنه حتماً فاقد للمصداقية، والأمر الواقع يقول بأن الإعلام في عصرنا الحالي فقد مصداقيته ومهنيته ونزاهته بسبب تبعيته للسلطتين السابقتين.
وبما أن أوراق ثورة الإعلام أو الثورة الرقمية أو ثورة الاتصالات، أو ثورة الربيع العبري، لا فرق فالنتيجة واحدة نسف العروبة، وحرق الحضارات، قد انكشفت وبطل زمانها فليستعد العالم الجديد إلى بدعة جديدة يجري العمل على بث مصطلحاتها من الآن، كما يجري على تعويد سكان الواقع عليها، وهي الثورة الافتراضية، وللحديث مع هذا الواقع الافتراضي بقية….
ميساء نعامة
تم نشر هذا المقال في مجلة الأزمنة بتاريخ 05/01/2013