الواهمون الحالمون

وحدهم المنفصلون عن الواقع، وحدهم لا يقرؤون مجريات التاريخ وانحداراته وطلعاته ونزلاته و”تكويعاته”.
الواهمون هم من يعيشون في عالم الروايات الخيالية وأفكارهم المتحجرة التي لا تستطيع أن تنفصل عن عقدهم الدفينة وابتعاد الجمهور عنهم.
الحالمون وحدهم يتقوقعون في صومعتهم الجوفاء ويبنون مجداً من رمال، وينسلخون عن الواقع بكل تفاصيله وتحولاته وتبدلاته.
أما الواقعيون هم المرتبطون بالتاريخ ومن لا يقرأ التاريخ لا يمكن أن يعي ما يحصل في الحاضر ولا يمكنه أن يعي ما سيحصل في المستقبل.
هناك في دول الاستعمار الحديث والتقليدي، وجدوا أن لعبة استعمار الشعوب وإلغاء وجودهم الحضاري والتاريخي، يجب أن تتغير ويجب وضع قواعد جديدة للعبة، هذه القواعد الجديدة بدأت مع خرائط شرق أوسطية وضع حدودها جورج بوش الأب، ليعطي بوش الابن إشارة البدء بعملية قيصرية لولادة شرق أوسط مشوه، يُستبدل من خلاله العقل بالجهل، والتطور بالتخلف، والعلمانية بالفكر التكفيري الوهابي.
الفكر الشرق أوسطي المراد له أن يولد مشوهاً، تسلل عبر الإعلام الذي نشر الفكر الوهابي من جهة وعمم الانفلات الجنسي من جهة أخرى لنصل بنهاية المطاف إلى معادلة الجهاد من أجل الحوريات.
وعندما أتى أوباما رافعاً شعار التغيير هبّت رياحٌ خماسية عاصفة سُميّت بالربيع العربي، ربيع برائحة الدم العربي، فالاستعمار الذي قرأ الواقع العربي ودرسه جيداً استطاع التحكّم بنا عن بعد فلا حاجة بعد اليوم ليُقتل الجنود الأمريكيون ولا حاجة ليضحوا بطفلهم المدلل إسرائيل من خلال حرب بات النصر الإسرائيلي فيها مستحيلاً مع وجود محور المقاومة.
ومفاد الوصفة الأمريكية قتْل العرب بعضهم لبعض، بعدها يمكن أن يعود الاستعمار ليخلّص العرب من الفكر التكفيري أو الإخواني لا فرق فهؤلاء صُنعوا في الغرب ويميلون كيفما يميل الدولار الأمريكي.
تتالت على الأمة العربية الكثير من الحملات الاستعمارية والغاية اقتلاع هذه الأمة من جذورها وإلغاء تاريخها وجميع الآثار الدالة والموثقة لهذا التاريخ الحضاري العريق…
من منّا لم يقرأ التاريخ ومن منا لا يعرف ما وراء الاستعمار ومن منا لا يعرف ما هي الحركة الصهيونية وما هي أهدافها وغاياتها وعلى أي أساس تشكلت؟
جملة من الأسئلة قد نجد إجاباتها عند الشريحة الكبيرة من عامة الشعوب العربية ونفتقد إجاباتها عند شريحة المثقفين الذين كانوا يعتبرون إلى وقت قريب طليعة المجتمعات لكن المحن غالباً ما تُزيل الغطاء ويتضح للعيان الصدأ الذي أصاب هذه الشريحة إن لم يكن العفن، لتصبح الشعوب هي الطليعة وينتهي أمر تلك الشريحة بعد أن عجزت على اللحاق بركب الشعوب ..
الأمر الذي حصل في سورية واضح للعيان؛ ففي الوقت الذي كانت فيه شريحة الغالبية من المفكرين تبحث عمّن يدفع أكثر.. كان الشعب السوري يملأ الساحات يعلن رفضه للمخطط التفتيتي المعدِّ لسورية معتمداً على حسِّه الوطني العفوي والصائب.
والسؤال: هل تعود طبقة المثقفين والمفكرين وتقلّب في صفحات التاريخ علّها تدرك حقيقة ما يجري؟ وعلّها تدرك أنها مهما جمعت من الأخضر، لا قيمة له بدون وطن؟.
أختم وأنا على يقين أنه ما يزال بعض الحالمين يفتشون عن وهم الديمقراطية السلفية، لاستجداء المزيد من الأموال المغمّسة بدماء السوريين.

ميساء نعامة

تم نشر هذا المقال في مجلة الأزمنة بتاريخ 08/03/2013

Scroll to Top