الحرية والديمقراطية وهمٌ يعيشه الشعب الأمريكي بكامل فئاته وشرائحه ومراكزه الحكومية والأهلية، والشخصيات العادية والاعتبارية، رجال أعمال وعلماء، رجال سياسة ورجال دين وغيرها.
ذكرتُ في وقت مضى عبر بحث موسع في مجلة “الباحثون”، بأن الصهيونية العالمية تسيطر على الإعلام الأمريكي، فاستملكت واشترت وتمكنت من إدارة كبريات وسائل الإعلام الأمريكية المقروءة والمسموعة والمرئية، لتحول هذه الإمبراطوريات الإعلامية إلى خاتم بإصبعها تتصرف فيها حسبما تقتضي مصلحتها في السيطرة على العالم وتعيد من خلالها تشكيل الرأي العام الأمريكي وفق الأهواء الصهيونية.
طبعاً هذا الكلام، ليس وليد بنات أفكاري ولا صبيانها، إنما هناك عدة مراجع توثق عملية شراء الإعلام الأمريكي أو إدارته من قبل اليهود المتصهينين.
الأمر لا يقف عند هذا الحد من السيطرة على عقول الشعب الأمريكي، بل إن السعي الدائم للسيطرة على العالم بأسره بحجره وبشره، واختراق الحريات الشخصية وتعميم الفوضى الخلاقة التي تتيح إسقاط العالم في دوامة الصراع المستمر، بينما تمسك الصهيونية العالمية بزمام العالم وترسّخ نظرية الديكتاتورية بأبشع صورها.
نحن هنا لا نتكلم عن وهم أو نخترع قصصاً أسطورية ولا نبحث عن الفراغ وننسج فيه ترّهات تشوش الرأي العام.
بل إنها الحقيقة التي جاءت هذه المرة على لسان إدوارد سنودن الموظف السابق في وكالة الاستخبارات الأميركية المركزية وأحد متعهدي وكالة الأمن القومي بالتّحضيرات الأخيرة لتسريب معلومات تعدّ من بين الأخطر في تاريخ الولايات المتحدة السّوداوي.
يقول سنودن: “لقد أنشأت وكالة الأمن القومي بنية تحتيّة تسمح لها بالحصول على كلّ ما تريده من معلومات وتمكّنها من ترصّد الأغلبية الساحقة من الاتصالات وتخزينها. كنت أستطيع من موقعي أن أقرأ بريدك الإلكتروني أو أن أتعقّب هاتف زوجتك الخلوي وكانت لديّ القدرة على الحصول على سجلات الهاتف وكلمات السر وبطاقات الائتمان الخاصة بك. أنا أرفض العيش في مجتمع يقوم بذلك كما أرفض العيش في عالم يسجِّل فيه كلّ ما أقوله أو أقوم به. أنا أملك خرائط تبيّن مدى التعرّض لحريّات الناس وخصوصيتهم بحسب المناطق ونحن نجمع معلومات عن الاتصالات الرقمية في الولايات المتحدة أكثر ممّا نجمع في روسيا. لا يمكنك أن تتصوّر حجم الإمكانات المتوفّرة لدينا؛ إنّه أمرٌ مرعب. يمكننا أن نسبّب خللاً في الأجهزة وأن نتعرّف على الجهاز الخاص بك عندما تتصل بالشبكة وعندئذٍ لن تكون في أمان مهما حاولت ومهما أضفت من أنظمة حماية إلى جهازك»
إذاً، لم يعد في أمريكا حريات حتى على الصعيد الشخصي للأفراد الأمريكيين، وهاهي أكبر دول العالم التي تتشدق بالحريات، بل وتصدِّر الديمقراطية معلبة ومفرّزة، مفرق وبالجملة، تفقد شرفها الحر.
المشكلة ليست في أمريكا وشعبها ولا في نظريات الديمقراطية والحرية والديكتاتورية المشكلة في الغباء العربي الذي يعلم ويدرك بأن: فاقد الشيء لا يعطيه.
والمشكلة أننا نعيد ونقرأ ونتحدث عن اتفاقيات دولية استعمارية قديمة وحديثة هدفها الرئيس فرّق تسد، طبعاً السيادة ليست لنا بل للاستعمار جديده وقديمه..
ومع ذلك نوقع وننفّذ هذه الاتفاقيات التقسيمية ونسلّم بالأيدي ونشرب نخب الاستسلام أمام العدو ونحن نضحك على حضارة فقدناها وتاريخ يُمحى وإرث يزول، وأثر إنساني نلغيه بأيدينا.
اليوم لا نحتاج إلى مؤتمرات حوار محلية أو عربية أو دولية، بل نحتاج إلى صحوة بعد سبات طال زمنه، كما نحتاج استعادة السيادة العربية الكاملة غير المنقوصة بقوة الحق.
عندها يمكن أن ندخل في تحالفات على مبدأ التكافؤ وليس من منطلق فرض شروط القوي على الضعيف.
ميساء نعامة
تم نشر هذا المقال في مجلة الأزمنة بتاريخ 15/06/2013