سياسي.. غير سياسي

مثقف غير مثقف.. متعلم غير متعلم.. بينما تتحاور النخب السياسية والثقافية والمتعلمة مع بعضها بعضاً تتفق أو تختلف.. وبينما تبحث تلك النخب عن معاني المصطلحات فتختلف ولا تتفق على قاموس جامع لها.. تتسع الساحات للجهلاء وتتغلغل في خلايا وطننا العربي.. قد يكون ألف باء السياسة النظر إلى المشهد السياسي بكليته وليس بجزئيته.. وعملية الانتقال التحليلي من الكل إلى الجزء هو عمل منهجي لفهم أي موضوع أو أي حدث أو أي مشكلة.. يقع بعض المحللين السياسيين والمفكرين والمثقفين وغيرهم ممن يمثلون الطليعة المجتمعية في خطأ كبير عندما ينطلقون في تحليلهم من الجزء إلى الكل.. هي ليست نظرية جديدة بل إنها قديمة لكنها متجددة..
والدخول المباشر بالموضوع يقتضي أن ننظر إلى المشهد العالمي والتحولات الكبيرة التي تحصل خلال الأعوام العشرة السابقة إلى الآن لكي ندخل إلى المشهد السوري ونرى ارتباط التحولات السورية وفق الرؤية الدولية الشاملة.. والبداية القريبة من تصريح كوندليزا رايس عندما تحدثت عن مخاض جديد وولادة متعثرة لشرق أوسط جديد.. الحقيقة أنها عنت كل كلمة قالتها: هناك مخاض وولادة مشوهة أرادتها الولايات المتحدة الأمريكية للشرق الأوسط، هذا ما رتبت له وخططت له لتغطية كارثة اقتصادية قد تؤدي إلى نهاية الإمبراطورية الأمريكية فكان المخرج عبر الشرق الأوسط.. إضافة إلى استشعار مركز الأبحاث الأمريكي صعود دول قوية تنافسها في قيادة العالم فحركت الملف النووي الإيراني وما تبعه من عقوبات أثقلت الكاهل الإيراني لكنه لم يضعف الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بل استمرت في صعودها.. وحرّكت ملف العصابات التكفيرية التي استخدمتها سابقاً في البوسنة والهرسك واستخدمتها اليوم في سورية.. الغرب من بعيد يضحك على غباء النخب العربية التي انطلت عليها الكذبة الكبرى التي خطط لها الغرب منذ زمن طويل لإحداث زوبعة ما سماه الغرب “الربيع العربي”.. قلة قليلة فقط اكتشفت اللعبة الغربية لكن كان صوت الجهالة أقوى بكثير من صوت العقل.. والسؤال الجوهري لماذا؟
لقد انتشر فيروس خطير بين النخب العربية المختلفة، من أعراض الفيروس انتفاخ مرعب للأنا وتضخم مريع في تعظيم الذات، وابتعاد النخب عن عامة الشعب، وعدم قبول الرأي الآخر الذي يتعارض مع معتقداتهم وأفكارهم وآرائهم. ما أدى إلى تخلف العرب وتطور الغرب، فالغرب لا يمكن أن ينسف النظريات والرؤى السابقة بل يبني عليها ويطورها. بينما العرب في العصر الحالي أظهروا براعة في قطع الحبل السري الذي يربطهم بماضيهم وتقوقعوا في أبراجهم الوهمية، لدرجة أن الأجيال ملت بل قرفت من التغنّي بماضٍ انفصل عن الحاضر واتسعت الهوة لدرجة مرعبة. لذلك علينا قبل البحث في النتائج التي وصلت إليه الأمة العربية من تمزق وتفتت وانتشار الضعف والوهن والعصبيات والاقتتال، البحث عن الأسباب والمسببات، وعلينا التفكر كيف استطاع رجل أخرق ارتدى عباءة الدين الإسلامي من غير حق ليدنس الإسلام ويدعو إلى القتل والذبح والتقطيع، أن يؤثر في عقول الشباب بينما النخب العربية لا تستقطب إلا ذاتها.. مفارقة كبيرة لكنها كانت من أهم الثغرات التي أدت لدخول الجراثيم المرافقة للربيع الغربي. فهل نتفكر ونعي حقيقة ما يجري؟
أخيراً يمكننا القول: بأن السيناريو الأمريكي وُضع بعناية فائقة؛ لكن فات كتّاب السيناريو أن الدول الناهضة ومحور المقاومة تكاتفت لمواجهة تمدد الإمبراطورية الأمريكية فأفشلت المخطط في سورية، وهي اليوم تقدم على طبق من ذهب لدول كبرى خارج سيطرة أميركا مفاتيح إعادة امتلاكها لظروف المشاركة في إدارة العالم بما يضمن تحقيق التوازن الدولي الجديد.

ميساء نعامة

تم نشر هذا المقال في مجلة الأزمنة بتاريخ 09/11/2013

Scroll to Top