إذا كان الوعي هو أحد أهم خصال العقل، فماذا نحتاج لكي نمتلك فائض الوعي؟ قد يكون رينيه ديكارت من المؤسسين لفكرة أن العقل هو القيمة الفضلى للإنسان وهو ما يميزه عن باقي المخلوقات، والعقل يحاكي فائض الوعي الممنهج وفق عمليات أربعة حددها ديكارت.
المشكلة أن نُصدم كل يوم بأشخاص لا يمكن لهم أن يقدروا أهمية خلاصة القيم الأخلاقية والقيميّة التي يفرزها العقل عبر عملياته المختلفة والمتعددة.
وبالمقابل فإننا نلتقي بأشخاص يقدرون مثل هذه القيم ويتمثلونها.
نعود إلى موضوع فائض الوعي، ونقول: لكي نعي ما يحصل لابد من تحفيز جميع العمليات العقلية من فهم واطلاع على جميع أوجه القضية المتداولة، وإجراء عملية تحليل تفكيكي، أجل نفصل ونفكك كل تفصيلة متعلقة بالقضية موضوع البحث، ومن ثم نعيد تركيب المشهد بكلِّيته وبكامل تفصيلاته، ونعود لنقرأ المشهد بعد تركيبه، قراءة مختلفة عن القراءة الأولية.
والحقيقة أن ما نحتاجه اليوم هو فائض الوعي على اعتبار أن الوعي لا يكفي لإدراك المشهد بجزئياته وبكليته.
هذه المقدمة لكي لا نستغرب كيف لطبيب أو مهندس وقد نالا أعلى درجات التفوق العلمي أن ينحدروا إلى الدرك الأسفل من الفكر الجاهلي الذي يتمنى ويتشهى الحوريات عبر قتل النفس التي حرّم الله قتلها.
كثيراً ما نتعرض إلى هذا السؤال كيف يمكن لفرد وصل إلى هذه الدرجة من المعرفة العلمية وينحدر إلى الفكر الطائفي والفئوي ويقتل ويفجر بغطاء الدين؟
التفوق العلمي هو أحد الشُعب الجانبية من شعب العقل والتي قد لا تكفي لتمكن صاحبها من الوصول إلى الوعي الكلي، أما فائض الوعي فلا يصل إليه إلا من يستطيع أن يفتح أبواب العقل مجتمعة وفرادى.
ومن استطاع الوصول إلى أعلى درجات الوعي العقلي فإنه يستطيع أن يدرك أهمية القيم التي تتلخص في مفردات الحق والخير والجمال، هذه القيم تحتوي جميع القيم الأخلاقية والقيَميّة وينبثق عنها كم كبير من القيم الأخرى.
ولكي نتمثل هذه القيم، التي لا يختلف عليها إلا الجهلاء، يُشترط تحول القيمة إلى الفعل، وأن يمارس الإنسان حرّيته في الاختيار ويكون مسؤولاً عن هذا الاختيار، وتالياً يكون السلوك القيَميّ ليس سلوكاً تلقائياً، بل يجب اقترانه بالإرادة والعزم على الفعل، وهو ما نحتاجه في عملنا بالمرحلة القادمة لما بعد الأزمة السورية.
ومتى امتلكتنا الوعي وفائضه نستطع مواجهة المخطط العقلاني المحكم لتفتيت المنطقة، وإدخال الشعوب في حالة اللاوعي الذي يغيب العقل بجميع عملياته وشعبه.
تأسيساً على ما تقدم نستطيع أن نفهم لماذا لم يرُق لداعمي الإرهاب في المنطقة العربية، الانتصار الإلكتروني الذي حققه الشباب العروبيون الذين جمعهم هدف واحد هو تمريغ الأنف الإلكتروني للعدو الصهيوني في وحل السقوط.
كما لم يرُق لداعمي الإرهاب الانتصار الذي حققته القيادة السورية التي توّجَهُ أبطال الجيش العربي السوري على الأرض السورية، وصد الإرهاب بمسمياته المختلفة من جبهة النصرة إلى جند الإسلام إلى تنظيم القاعدة ودخولها المباشر على الساحة السورية عبر توجيه رسالة مباشرة من قبل زعيم تنظيم القاعدة إلى شرذمته الموجودين في سورية، وتشجيعهم على إراقة المزيد من الدم السوري.
مزاج النصر الذي يروق لجميع السوريين، أرَّق منام أعداء السلام وأعداء الإنسانية وأعداء الحضارة وأعداء التفكير العقلاني.
فحرّك هؤلاء عصاباتهم الإرهابية بعد أن سلبوها الوعي وفائضه وصبّوا جام غضبهم وغيظهم حقداً وغيّاً وإجراماً، من خلال جريمتهم الدموية بحق الأبرياء من أطفال ونساء ورجال وشيوخ، لا ذنب لهم إلا أنهم كانوا يمارسون حياتهم الطبيعة اليومية وتحولوا بلحظة قاتلة إلى ضحايا تفجير إرهابي لم يرحم طلاب المدرسة ولا طلاب العلم ولا طلاب الرزق، حتى الأبنية الحكومية التي تعتبر ملكاً لجميع أبناء الشعب السوري، طالتها يد الإرهاب.
لكنّ الوعي الشعبي أسقط جميع حسابات الإرهاب، وفائض الوعي عند الطليعة السورية التي تخطط لإفشال مخططات العدو التدميرية على محورين: محاربة الإرهابيين من خلال قواتنا الباسلة في الجيش العربي السوري، ومن خلال الحوار المستند على الوعي الشعبي.
ميساء نعامة
تم نشر هذا المقال في مجلة الأزمنة بتاريخ 13/04/2013