في ضيافة كوليت الخوري

للتاريخ قصة مختلفة بل متميزة ومميزة مع الأديبة النجمة كوليت الخوري، تاريخها يشبهها بالتميز والاختلاف عن سواها من الأديبات السوريات بل العربيات.
تقول كوليت: دمشق وُجدت قبل التاريخ وعندما بدأ التاريخ حضنته دمشق وأعطته شهادة الميلاد.
الزائر لبيتها… لتاريخها… يشعر على الفور بتكامل الأدوار فقد حضنت كوليت، دمشق والتاريخ بتراكماته وإرثه وحضارته، في منزل يكاد يضيق لكثرة ما فيه من نفائس التاريخ السوري والعربي، لكنه كلما ضاق كلما شعر الزائر بالاتساع والرحابة، حتى أن أحد ضيوف تلك الليلة التي لا يمكن أن تنسى، شبّه منزل كوليت بقلبها الكبير الذي يتسع للوطن السوري بكامله.
مساء يوم الاثنين25/2/2013، كنّا في ضيافة التاريخ مع كوليت الخوري، تلك الأمسية التي ما لبثت أن استرسلت فيها الأفكار والرؤى والتحليلات السياسية.
وبالتزامن مع دهشة السيدة الراقية فيرا يمين عضو المكتب السياسي في تيار “المردة”، بالتاريخ الذي يملأ المكتبات والجدران وكل زاوية من زوايا البيت الدمشقي العريق الذي تنبعث منع رائحة الفارس الخوري، وصور العظماء من الرئيس جمال عبد الناصر إلى الرئيس حافظ الأسد، وكتب كبار الأدباء السوريين والعرب.
بينما كنت أقول للسيدة فيرا بأن بيت كوليت يشبهها بكل تفاصيله وتلافيف ذاكرتها الغنية بالأحداث التاريخية والروايات الواقعية والقصص الجميلة التي تمتزج فيها الوطنية مع الغزل والحب.
فجأة صوت يهزّ أرجاء التاريخ، الهواتف الجوالة بدأت ترنّ من جميع الضيوف، ونجمة المساء كوليت بدأت اتصالاتها للاطمئنان على دمشق، وكل الأصدقاء والأقارب والأحبة، طبعاً علمنا بعد دقائق بأن انتحارياً إرهابياً فجّر نفسه بسيارة مفخخة بمنطقة القابون، في محاولة من الإرهاب لسرقة التاريخ والحضارة والتراث الإنساني العظيم لأعظم وأقدم وأقدس مدن التاريخ.
على وقع أصوات الاشتباكات التي دارت بين قوات الجيش العربي السوري، ومجموعات إرهابية، استمرت الأمسية، واستعاد الجميع أنفاسه.
كوليت الخوري لا تخفي عداءها لحزب البعث، وتروي قصة رائعة من صفحات تاريخها الجميل.
عندما مُنعت من دخول دمشق في سبعينيات القرن الماضي، والتهمة أنها برجوازية رجعية، تم الاتصال مع وزير الدفاع آنذاك حافظ الأسد، فتم إدخالها على الفور، وعندما تسلّم الرئيس حافظ الأسد الحكم في سورية، ذهبت إليه مباركة، قال لها “نحنا صحبتنا قديمة من الحدود”.
وقد وعدت الأديبة بكتاب خاص يحمل عنوان: حافظ الأسد وأنا.
طبعاً، تاريخ الذكريات لا ينتهي عند أديبتنا النجمة كوليت، ولأن الشعر هو مسك الختام، خُتمت الجلسة بقصيدة الشعر المحكي من ديوان لم تعلن عنه سابقاً أديبتنا الكبيرة ويحمل عنوان: “غناني شهقة عطر”.
تقول كلمات القصيدة:
هل وردة ل كلاّ سحر
يل عمرا ضحكة فجر
خبيت فيها عمر
ت إهديها لعيونك
يا ريتا كانت أجمل
يا ريتو عمرا…أطول
حتى تبيعو.. وما تسأل
شهقة عطر
لعيونك

الأمسية كانت من أجمل الأمسيات التي حضرتها بحياتي لأنها مختلفة فعلاً بحميميتها وضيوفها وعبق التاريخ رغم أصوات الرصاص والقذائف والانفجارات.
لكن ما إن خرجنا بصحبة الصديقات هيام حموي وأمل محاسن وغاليتي مهى حتى شعرت بضيق كبير وهلع يتملكه الخوف والحزن على شوارع دمشق الخالية والحزينة والمقطعة الأوصال.
الدمعة بقيت سجينة المقل، لأن شآمنا ستعود وسهراتنا الجميلة ستعود. وياسمين دمشق رغم حزنه على ما يفقده من زهر يتماهى مع تراب الأرض إلا أن شجرة الياسمين ولّادة وكلما فقدت زهرة ينمو مكانها مئات الأزهار.

ميساء نعامة

تم نشر هذا المقال في مجلة الأزمنة بتاريخ 01/03/2013

Scroll to Top