يبدو أن جميع السوريين اليوم بحاجة إلى مراجعة التاريخ السوري والعربي من أجل فهم ما يحصل على الأرض السورية من معارك يديرها الاستعمار الجديد من بعيد وبأدوات محلية الصنع ومستوردة من الجوار القريب ومن بلدان بعيدة.
لعل ذكرى الجلاء تعيد إلى الأذهان، عدو الأمس الذي يتماهى مع عدو اليوم وأطماع العدو القديم هي نفسها أطماع العدو الجديد.
نعم، العالم تطور، وأدوات العدو في السيطرة على بلادنا تطورت أيضاً، وبما أن الحرب القادمة هي حرب عقول، فإن العدو اليوم قادر على سلب العقول وبرمجتها وفق ما يخدم مصالحه.
كم نحتاج اليوم ونحن نحيي ذكرى الجلاء المجيد أن نقرأ التاريخ وأن ونحلل ونركب المشهد بكليته من أجل فهم المخطط العقلاني المدبر لمنطقتنا العربية والمدمر لحضارتنا وتاريخِنا.
نحتاج إلى الوعي الكامل وليس إلى الوعي الجزئي.. نحتاج إلى فهم معاني الجلاء كي نحافظ على استقلالنا وتاريخنا وحضارتنا وعروبتنا والأهم كي نحفظ كرامتنا من أن تهدر على يد الإرهاب المنظم والمبرمج لإلغاء العروبة.
الإرهاب هو الوجه الآخر للاستعمار والقضاء على الإرهاب هو نصر جديد وهو جلاء جديد.. فهل نعي حقيقة ما يخطط لبلدنا الحبيب سورية ولوطننا العربي بشكل عام؟
إذا كنا نعي حقيقة ما يجري فلا بد أن ندرك أنها الحرب الجديدة التي تُختبر مفاعيلها وأدواتها على الأرض السورية، حرب جمعت بين نقيضين لا يمكن لعقل بشري أن يتصور اجتماعهما إلا على المائدة الأمريكية الغربية التي تستبيح كل المحظورات لخدمة مصالحها.
أن تجمع أمريكا بين الديمقراطية الليبرالية، والتكفيرية الأصولية للجماعات الإرهابية فهذا قمة الهذيان، ولكنه في مفهوم المصالح الأمريكية مباح ومتاح وها نحن نشهد آخر فصول هذه المسرحية.
بعد مرور عامين ونيّف على الحرب الكونية على سورية لم يعد خافياً أن المستهدف هو تحطيم الدولة الوطنية السورية العروبية والعلمانية القائمة على حرية المعتقد والدين والعرق، وقيم التحرر الوطني والتنمية والمقاومة، وإخضاعها نهائياً للهيمنة الإمبريالية التي تضع إسرائيل وأمنها في قمة أولوياتها، ولتحقيق هذا الهدف ولاسيما في ظل ما تعيشه الإمبريالية الأمريكية من انحطاط اقتصادي وسياسي وثقافي وأخلاقي لا يعنيها أن تكون وسيلةُ تحقيق مآربها جيشاً من المرتزقة الإرهابيين الذين تقوم بزجهم في الحرب النظيفة لجهة أن الاستعمار الجديد يرتدي قفازات توفر عليه خسارة مادية وبشرية من خلال الحروب التقليدية التي أخرجتها مهزومة من العراق، وحرباً قذرة لجهة الأساليب غير الأخلاقية التي يتبعها هؤلاء المرتزقة والإرهابيون في عمليات قتل وتمثيل بالجثث وإجرام وسرقة ونهب واستباحة جميع القوانين الوضعية والإنسانية.
عامان ونيّف والحرب الكونية على سورية تستنزف سورية بمحاصرتها وفرض العقوبات على شعبها وضرب البنى التحتية والاقتصادية وسرقة المعامل التي تولّى لص حلب “أردوغان” سرقتها وتهريبها إلى الداخل التركي.. كل هذا ولا تزال الكلمة الفصل لرجال الله على الأرض رجال الجيش العربي السوري الذين يكتبون ملحمة النصر بدمائهم الزكية ومن خلفهم شعب صامد أذهل العالم كل العالم بصموده.
إذاً، لابد أن نعيد قراءة التاريخ لعلّنا نصل إلى صفحة المجد العربي ولا نقلب الصفحة عن نصر يتحقق بجلاء آخر إرهابي عن أرضنا السورية.
ميساء نعامة
تم نشر هذا المقال في مجلة الأزمنة بتاريخ 20/04/2013