استوقفني فيلم وثائقي عن نشأة وتطور حزب البعث العربي الاشتراكي في سورية على قناة الجزيرة، علماً أنني منذ زمن طويل لم أعد أتابع الجزيرة وأخواتها من القنوات التي ساهمت في تنفيذ المخطط الصهيوني الأمريكي الرامي لتفتيت الوطن العربي وتقسيم المقسم منه وتحويله إلى دويلات طائفية تتزعمها الدولة اليهودية.
لست بوارد شرح وتفصيل المخطط الإرهابي لأن أهدافه ومراميه باتت مكشوفة لدى السواد الأعظم من الشعوب العربية.
لقد تعمدتُ مشاهدة الجزء المتعلق بالقائد حافظ الأسد، طبعاً الفيلم مبرمج للإساءة إلى حزب البعث ولشخص الرئيس الراحل حافظ الأسد، إلا أن المتلقي الموضوعي والعارف بتسلسل التاريخ الحديث، يستطيع أن ينتزع حقائق تاريخية من قلب الأعداء، وأنا كمواطنة سورية شعرت بالفخر الكبير لمشاهدة ذلك الفيلم؛ فقد أثبت بالوثائق كم كان القائد حافظ الأسد رئيساً استثنائياً لسورية.
هناك حقائق تاريخية لا يمكن التغافل عنها، فقد كانت سورية منذ حصولها على الاستقلال وما تلاها من مراحل انقلابات فوضوية تشبه إلى حد كبير الساحة اللبنانية اليوم فالرئيس يجب أن يحظى بموافقة فرنسية وغربية وإقليمية.
الانقلاب الأبيض حسب وصف الجزيرة وحسب المعطيات والمعلومات جاء به القائد حافظ الأسد الذي كان وزيراً للدفاع في العام 1970، وتسلم الرئاسة لفترة قصيرة أحمد الخطيب في أواخر العام نفسه.
أما أهمية الفيلم فتنبع من عدة نقاط:
أولها: أن الفيلم أقرّ بأن الرئيس حافظ الأسد تسلّم الرئاسة في العام 1971 بعد استفتاء جماهيري اختاره الشعب بأغلبية ساحقة.
ثانيها: الفيلم أقرّ بأن الرئيس حافظ الأسد عندما استلم الرئاسة في الجمهورية العربية السورية أتى بمشروع وطني وعربي متكامل، فالمشروع الذي برمجه الرئيس الأسد للارتقاء بسورية هو بفعل عبقرية فكرية نادرة وقراءة معمقة للتاريخ ومعرفة دقيقة لحقيقة أهداف الاستعمار الذي غادر عسكرياً لكنه أبقى أذنابه تسرح وتمرح وتخرّب البلاد وتستهزئ بالعباد.
المشروع الرئاسي للقائد حافظ الأسد كان مشروعاً نهضوياً ومشروعاً عروبياً يحفظ لمّ الشمل العربي بأضعف الإيمان وهو التضامن العربي، كما يضمن المشروع الانضمام إلى حركات التحرر من الاستعمار وعينه على المناطق السورية التي احتلها الصهاينة والهدف الأكبر كان تحرير القدس.
ثالثهما: أن القائد الأسد حارب الإرهاب في فترة نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضي وحذّر منذ ذلك الحين من خطر الإرهاب المتخفّي خلف ستار الإسلام والمنتمي ضمناً إلى منظمات دولية تديره وتخطط له لتدمير سورية التي كانت تشهد صعوداً نهضوياً قلّ مثيله بالقياس مع الفترة الزمنية القصيرة لعمر النهضة ولجهة تحرير القنيطرة، وتحولت سورية بفضل قيادة الأسد لها من ملعب دولي وإقليمي إلى اللاعب الأكبر على المستويين الدولي والإقليمي.
مجمل هذه الحقائق التي يمكن استخلاصها من العدو قبل الصديق تؤكد على أن الرئيس حافظ الأسد هو القائد العروبي الذي قدِم إلى السلطة باستفتاء جماهيري بعد مرحلة طويلة من الانقلابات والتجاذبات والصراع على سورية ليتحول الصراع بعهد الرئيس الأسد إلى صراع مع سورية من باب ندّية القوي، كما أنه القائد العروبي الثاني بعد الرئيس المصري جمال عبد الناصر أتى بمشروعه الخاص البعيد عن التبعية للاستعمار، وأنه القائد الوحيد الذي أدرك خطر استغلال الإسلام لمشروع إرهابي يُدار من الغرب.
ميساء نعامة
تم نشر هذا المقال في مجلة الأزمنة بتاريخ 22/03/2014