عن غيره من القادة بنظرته الثاقبة؛ أتاحت له رؤية المشهد كاملاً ومن ثم تحليل تفاصيله المحلية والإقليمية والعالمية وإعادة تركيبه بكامل أبعاده.
القائد الذي يعتمد مبدأ تحليل وتركيب المشهد السياسي بدقة متناهية، يدرك أن أي قطعة مهما كانت صغيرة إذا وضعت في غير مكانها يمكن أن تشوه المشهد بكامله وتشوه الرؤية بل أنها تعطل اكتمال الصورة بشكلها الصحيح الواضح، هكذا قائد يستطيع أن يميز بين الأدوات والعقل الذي يدير تلك الأدوات.
المتتبع لمجرى الأحداث في منطقة الشرق الأوسط ليس ابتداءً بما سُمي خارطة الطريق وليس انتهاءً بمشروع مخاض الشرق الأوسط الجديد وما بينهما من حروب شنّها العقل الصهيوني المدمّر على العراق الشقيق ولبنان وقطاع غزة، يدرك أن المخطط الذي وضعه العقل الصهيوني لا يمكن أن ينتهي إلا بسيطرة “الدولة اليهودية” على منطقة الشرق الأوسط المفتت إلى دويلات طائفية متناثرة ومتناحرة.
وبعد! من السذاجة السياسية أن ينظر المرء إلى المشهد السياسي من زاوية رؤية ضيّقة بل ضبابية غير واضحة الملامح.
المراهقون العابرون إلى عالم السياسة على هامش العدوان على سورية ظنوا أن أحداث درعا كانت ستحد من انتشار وباء الربيع الأمريكو صهيوني، لو أن الرئيس الأسد قام بزيارة أهل درعا وطيّب خاطرهم.
إلا أن الغُرف الإعلامية السوداء المجهزة والموجهة باتجاه الداخل السوري، كانت مهمتها إعداد البرامج وفبركة الأفلام، غير أن ماكيناتهم الإعلامية عجزت عن إظهار صور أطفال درعا الذين عُذبوا على يد الأمن السوري، وبقيت الرواية دون إثبات كما باقي الروايات التي تمت فبركتها فيما بعد.
الاستوديوهات الخاصة لشهود العيان بدورها كانت مجهزة قبيل انطلاق أحداث درعا، بل أن تلك البوارج الإعلامية الحربية أخذت على عاتقها مسؤولية توجيه الإرهابيين وتحديد المناطق التي يجب أن تتم فيها العمليات الإرهابية، وجميعنا يذكر في بداية العدوان على سورية كيف كانت محطات بعينها “BBC والجزيرة والعربية” تطلق عواجلها عن انفجارات في مناطق محددة في سورية وبعدها بدقائق تتم عملية التفجير في نفس المناطق.
البعض ظن أن تلك المحطات أخطأت التوقيت في إعلان عواجل التفجيرات لكنها في حقيقة الأمر كانت تساهم في توجيه الإرهابيين.. من هنا أطلق الإعلام السوري مصطلح القنوات الشريكة بسفك الدم السوري، لأنها أخذت على عاتقها عدة عمليات للتحريض والفبركة وطمس الحقائق؛ والأخطر أنها كانت توجه الإرهابيين وتعطيهم أوامر للبدء بالعمليات الإرهابية من تفجيرات واغتيالات وغيرها.
استنفر جيش من المراهقين السياسيين الدخلاء على عالم السياسة أو أولئك الذين يتقاضون رواتب شهرية من الخزينة الأمريكية التي تغذيها دول الخليج، للمشاركة في الحرب الإعلامية التي أطلقت الشرارة الأولى لبدء الحرب على سورية.
في أوج المخطط الإرهابي المعد لتفتيت سورية التي كانت تشهد صعوداً حضاريا منقطع النظير قياساً بدول المنطقة، ظهر الرئيس بشار الأسد في خطابه الأول بعد “أحداث درعا” في مجلس الشعب السوري، كالطود الشامخ بكامل أناقته وهدوء السياسي المتمكن من قراءة المشهد السياسي بجميع تفاصيله وأبعاده، وفكّك خيوط المؤامرة وحلّلها بل وحوّل سلبيات الحرب إلى إيجابيات عندما تحدث عمّن ساهموا بالعدوان على سورية من السوريين أنفسهم، وبين الشريحة الأكبر من الشعب السوري الذي كان وعيهم أكبر من المؤامرة نفسها، عملية الفرز بحد ذاتها كانت الإيجابية التي جعلت معظم السوريين يتنفسون الصعداء لخلاصهم من أشخاص انغمسوا بالفساد وساهموا في انتشار الفساد وهم اليوم يساهمون في دمار سورية لكن من الخارج.
من سخر من مفردة مؤامرة التي أطلقها الرئيس بشار الأسد منذ بداية الأحداث، من كتّاب ومحللين سياسيين ومفكرين وأصحاب رأي وأشباه الرؤساء، بدؤوا اليوم يستشعرون بل يلامسون خطر الإرهاب الذي تحاربه سورية منذ اليوم الأول للأزمة السورية التي لم تكن في يوم من الأيام مجرد خلاف بين وجهاء درعا ورجال الأمن، بل إن معسكرات تدريب الإرهابيين في الجوار السوري وعمليات تهريب السلاح إلى الداخل السوري كانت تتم منذ سنوات تلت توصيف الرئيس الأسد لكل من تآمر على المقاومة اللبنانية في عدوان تموز 2006، بأشباه الرجال.
ميساء نعامة
تم نشر هذا المقال في مجلة الأزمنة بتاريخ 31/05/2014