عندما حصل الرئيس بشار الأسد على رتبة القائد لم تكن هبة أو منحة أو حالة طارئة، فما واجهه من تحديات قبل تسلّمه الحكم في سورية ونزوله إلى أرض المواجهة بعد استلامه للملف اللبناني والتخطيط الدقيق للضربات النوعية والمحكمة التي أثمرت تحقيق انتصار المقاومة اللبنانية في أيار 2000، وإدراكه الحقيقي لطبيعة الحياة السياسية في لبنان الشقيق واطلاعه على جملة التفاصيل السياسية والعسكرية إضافة إلى تسلّمه مفاتيح السياسة والحكمة والمعرفة المتعددة المجالات والعميقة الجذور من القائد الخالد حافظ الأسد، جعلت منه القائد الأمين على سورية.
عندما واجه القائد بشار الأسد جملة التحديات التي عطلت بشكل من الأشكال استكمال البرنامج النهضوي الذي خطط له وبيّنه للشعب السوري في خطاب القسم للعام 2000، كان يعرف حق المعرفة بأن دول الاستعمار لن تسمح للمشروع النهضوي السوري بالمرور لاسيما وأن هذا المشروع لا يشمل سورية وحسب بل إن النظرة القومية النهضوية للرئيس الأسد أرعبت عالم الشمال الاستعماري الذي يدار بالعقل الصهيوني.
تمسك الرئيس الأسد بالفكر المقاوم كحق شرعي لاستعادة الحقوق المغتصبة والقضاء على مخلفات الاستعمار وذيوله، وانتصاره على تحديات كبيرة وُضعت في طريق عجلات التطوير والتحديث جعلت العقل الصهيوني يخطط لإحداث الزلزال الكبير في المنطقة.
تم استخدام رئيس الوزراء اللبناني السابق في حياكة خيوط المؤامرة ودفْعه إلى الواجهة ليظهر بأنه الرجل الأول في لبنان وأنه ساهم في استصدار القرارات الدولية القاضية بانسحاب الجيش السوري من لبنان، وبدأ الرجل يشعر بأنه يحقق مكاسب شخصية على صعيد السيطرة التامة على مفاصل الحياة السياسية في لبنان إلا أنه لم يدرك أنه كان الكبش لإحداث التغيرات في منطقة الشرق الأوسط.
تعمّد العقل الصهيوني أن يُظهر مقتل رفيق الحريري على هيئة زلزال وكان قد خطط لإسقاط لبنان في لعبة التدويل قبل أن يخطط لمقتله.
الرئيس الأسد بفكره وعلمه وسعة رؤيته لم ينظر إلى مقتل الحريري من الزاوية الضيقة التي تحركت على شكل جوقة الكومبارس الذين بادروا لاتهام سورية حتى قبل أن يتم تأكيد مقتل الحريري، بل تتبع البصمات الحقيقية للفاعل الذي أراد أن يهز الكيان السوري ويجعل من تلك الجريمة البوابة للتدخل في الشؤون السورية ومن ثم استباحة السيادة السورية.
سارع الرئيس الأسد من خلال يقينه التام بأن منفّذ الجريمة هو الصهيونية العالمية، فباشر بعملية سحب الذرائع واتخذ القرار الحكيم بسحب الجيش العربي السوري من لبنان، هذا الجيش العظيم الذي كان وجوده في لبنان الشقيق غالي الثمن لجهة الشهداء الذين ضحّوا بأرواحهم لأجل وحدة وسيادة لبنان، ولجهة الكلفة المادية الباهظة لوجود الجيش العربي السوري هناك.
وكخطوة استباقية لسحب الذرائع أمر الرئيس الأسد بتشكيل لجنة تحقيق سورية للمساهمة في كشف الحقائق، الأمر الذي أزعج العقل الصهيوني فأمر أدواته اللبنانية بالمطالبة بمحكمة دولية لتبقى السيف الاستعماري الجديد المسلّط على الوطن العربي الذي يغفو حينما يشاء العقل الصهيوني ويصحو حينما يترتب عليه تهديد المنطقة بأكملها.
لا يمكن أن ننسى في تلك المرحلة مسلسل شهود الزور والكوميديا السوداء التي أتعبت الأعصاب وهددت أمن وسلام المنطقة بكاملها، كذلك لا يمكن أن نمر بشهود الزور ولا نربط بينهم وبين مسلسل شهود العيان الذين تمّ فبركتهم عبر العقل الصهيوني نفسه في بدايات الحرب على سورية.
صمدت سورية واستطاع الرئيس بشار الأسد أن يحوّل ارتدادات الزلزال حمماً بركانية على إسرائيل.
ميساء نعامة
تم نشر هذا المقال في مجلة الأزمنة بتاريخ 17/05/2014