سنوات الحرب على سورية

أشهر قليلة وتختم سنوات الحرب على سورية عامها الرابع ولا تزال تشدنا إلى الأمل الكبير بعودة سورية أفضل مما كانت قبل حرب لا تحمل إلا الدمار والقتل والذبح وتبرير الدعارة بفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان.
أذكر تماماً بدايات الحرب العدوانية على سوريتنا وأذكر كيف أن الأديبتين الكبيرتين كوليت خوري وناديا خوست أمسكتا خيوط المؤامرة من بداياتها، وفي أول لقاء للأديبة كوليت خوري على الفضائية السورية قالت بأنّ ما تتعرض له سورية هو حرب كونية، عندها قامت الدنيا وبدأت المعارضة بتركيبتها الغربية تسخر من مصطلح “حرب كونية”، حتى أوساط المعارضة الداخلية وبعض الموالاة لم يهضموا المصطلح.
ليتضح اليوم وبعد ما يقارب الأربع سنوات أنّ سورية تخوض حرباً يشارك فيها جيش من العصابات الإرهابية من جميع أنحاء العالم وأصبح اليوم المصطلح الذي أطلقته الأديبة الكبيرة كوليت خوري سبحة على لسان الجميع.
الأديبة ناديا خوست كان لقائي معها شبه يومي خصوصاً في بدايات الحرب على سورية، وقد لفتني كيف بدأت تفتح سجلات التاريخ القديم وتثبت بالدليل القاطع والوثائق الغربية والعربية وحتى العبرية كيف أن ما يحصل في سورية هو نتيجة العقل الصهيوني الذي يخطط لهذه اللحظة الربيعية السامة منذ عشرات السنين.
وأذكر تماماً عندما أصابتها وعكة صحية ألزمتها الفراش لعدة أيام أن ألمها كان ليس بدافع الوجع الجسدي بل كان بدافع الوجع الروحي لأنها لا تستطيع أن تبحث وتنقب وتحتفظ بالوثائق التي تجمعها من أجل أن توثقها في كتاب سنوات الحرب على سورية.
ولا يمكن أن يغيب عني وجع يدها من كثرة الكتابة والبحث والاستقصاء وكشف المستور عما يجري في سورية على يد الإرهاب الأسود المصنع صهيونياً، ولأنني نقطة الوسط بين بيتها ومكان جلسات المعالجة الفيزيائية ليدها كانت محطات اللقاء تسعدني لأنني كنت أتابع تماماً لحظات شغفها وألمها لأنها تريد أن تتعافى يدها بسرعة لكي لا يتوقف فكرها السيّال عن توثيق ما يجري بأدق التفاصيل.
ناديا خوست ليست أديبة عادية بل إنّ مجمل ما تكتبه يضعك في قلب الأحداث ضمن حالة توثيقية دقيقة تحفظ للذاكرة العربية والسورية أخطر مراحلها الوجودية.
عندما يقرأ المرء كتابات الأديبة ناديا خوست عن الشام يطرب على وقع كل كلمة تلامس الروح والوجدان عندما تصف البحرة في البيت الشامي ويستنشق عطر الياسمين الدمشقي ورائحة شجر النارنج، ويتأثر بالأحداث الموثقة بطريقة أدبية رائعة.
اليوم أكملت الكبيرة ناديا خوست كتابها سنوات الحرب على سورية ولا يمكن أن أصف للقارئ السعادة التي تغمرها وهي تقدم لي نسخة من الكتاب، تملكني شعور بأنها تقدم لي كنزاً ثميناً لا يعرف قيمته إلا من يقلب صفحاته الثمانمائة دون أن يشعر بالملل أو المبالغة أو الشطط.
ما يميز الكتاب أنّه كتب بفكر وجهد وتعب وسهر وعناء وبحث مستمر واستقصاء الحقائق وهذه كلها مجتمعة لا يمكن أن تتوفر إلا عند الكاتبة والأديبة ناديا خوست.
أظلم الكتاب كثيراً إذا أردت أن أتكلم عنه في مقال صغير لأنّ الحديث عنه يحتاج إلى ندوات ولقاءات مستمرة مع الأديبة خوست عبر شاشاتنا السورية، فما يحتوي عليه الكتاب من معلومات ووثائق يعتبر الأول من نوعه منذ بدايات الحرب على سورية.
وإذ أكتب عن أديبتنا الكبيرة ناديا خوست لا يمكن أن يعتبر شهادة لأنّها أكبر من أية شهادة، فهي إنسانة كبيرة بكل ما تحمله من قيم ومثل حقيقية كلما ازدادت الملمات كلما لمعت تلك القيم التي تسكنها وتغيب عن كثيرين من الأدباء والمثقفين.
ملاحظة : إلى جميع “المسؤولين” المعنيين بالأدب والثقافة والإعلام لا يمكن أن يمر إصدار كتاب سنوات الحرب على سورية للأديبة الكاتبة ناديا خوست مرور الكرام.

ميساء نعامة

تم نشر هذا المقال في مجلة الأزمنة بتاريخ 08/11/2014

Scroll to Top