مع سخونة الأحداث لا يستطيع المرء أن يتبيّن الحقيقة، خصوصاً إذا كانت شرارة الأحداث مبرمجة ضمن مخطط يحسب خطواته جيداً ويحرك الماكينات الإعلامية ويسخّرها لانطلاق صفّارة تنفيذ المخطط.
طبعاً الحديث هنا عن بداية اندلاع الحرب على سورية، فبعد مرور ما يزيد على ثلاثة أعوام من المعاناة السورية بدأت الحقائق تتكشف وبدأت خيوط المخطط تتقطع، وما كان بفعل الغشاوة الإعلامية ضبابياً أصبح اليوم بفضل بواسل الجيش العربي السوري مكشوفاً واضحاً وجلياً.
أغلبية من نزلوا إلى الشوارع قبضوا ثمن نزولهم لرفع شعارات مهينة لسيادة الدولة والوجود السوري، ومع ذلك لابد من طرح عدة أسئلة: كيف نثق بمن قبض ونزل إلى الشارع ليطالب بحقوق؟ بل كيف يمكن أن نصدق هؤلاء وقد أشهروا السلاح في وجه قوات حفظ الأمن وأفراد الجيش العربي السوري؛ في الوقت الذي أعطت القيادة السورية تعليمات صارمة بعدم استعمال السلاح ضد أبناء البلد؟.
والسؤال الموجع كيف لنا أن نثق “بثوار” هدموا وحرقوا وفجروا البنى التحتية والخدمية التي كانت وما تزال مُلكاً للقطاع العام أي إنها ملك للشعب السوري من أجل التعليم المجاني والطبابة المجانية والدعم الحكومي شبه المجاني؟ ومن حقنا أن نوجه السؤال لمن يسوق أبناء سورية إلى الموت بينما هم يتمتعون بالقصور الغربية ويتنعمون بفنادق خمسة النجوم ويصرفون الدولارات على رفاهيتهم وأولادهم؟.. لا يمكن أن نمرر ما شهدته سوريتنا الغالية من أسى وحزن ودمار وخراب دون محاسبة بل لا يمكن أن تكون دماء الشهداء إلا منارات مجد وعزّ وكبرياء.
في الأحاديث الجانبية يتحدث بعض السوريين بمن فيهم الطبقة المثقفة عن الأخطاء وعن ممارسات الفساد وعن وعن… وينسى واحد من هؤلاء الجماعة أن يقف للحظة واحدة أمام ذاته فيسأل، ماذا قدم هو للوطن ويحاول الإفراج عن ضميره فيسأل هل كنت أحد المساهمين في تنظيم وشرعنة الفساد؟ بل هل ساهمتُ بقضية فساد عن قصد أو غير قصد؟
لا بأس بعد المكاشفة أن يعطي ضميره حبة منوم، لكن المهم أن يعرف ماذا فعل ويكفّ عن رشق الآخرين بتهم الفساد وهو مغموس بالفساد من رأسه إلى أخمص قدميه. المشكلة أننا جميعنا نعلّق شماعات فشلنا على الوطن وننسى أو نتناسى أن نسأل ماذا قدمنا للوطن..
وبصيغة أخرى هل يليق ما قدمناه بوطننا العظيم سورية؟ نستمع ونسمع ولابد أن نكتب ما نسمع، عن طفرات من السوريين “نجّموا” على حساب الحرب، وهناك من تحولوا إلى أثرياء على حساب دماء الشهداء، وهناك من دخلوا مهنة الإعلام فأصبحوا أعلاماً بفعل الحرب، وهناك من اقتحموا مجال التحليل السياسي فطالبوا الشعب بإعطائهم أوسمة بطولة لظهورهم على الشاشات. وبفعل الفراغ الثقافي والفكري الذي انتشر بين شباب الوطن وانشغالهم بالثقافة الاستهلاكية التي يتلقونها بسرعة من مواقع التواصل الاجتماعي وينسونها بالسرعة نفسها، فقَدَ هؤلاء صبرهم في حصولهم على الخبرة والمعرفة التراكمية وأصبحت أجسامهم أوهن من تحمّل رؤوسهم الكبيرة التي تتطلب أكثر بكثير مما تقدم، والحق هنا على هيئات ومنظمات تُغشي عيون الشباب بمبالغ خيالية تفوق قدراتهم الفكرية والمهنية والعملية. أما بعض الفنانين فيحمّلون الوطن “جميلة النجومية” التي صُنّعت في أحضان الوطن وهُيِّئت لها الظروف الموضوعية من قبل الدولة السورية لتصل الدراما السورية إلى الألق الذي طغى على أعرق الدرامات العربية وصدرت الدولة السورية نجومها إلى الوطن العربي والعالم وبدل كلمة شكر للوطن والدولة السورية يظهر علينا بعض نجوم الدراما السورية ومن بينهم رواد الملاهي الليلية والفجور لكي يعطوا الشعب السوري دروساً في العفّة والديمقراطية.
وأخيرا لابد من القول: بأننا نحمّل الوطن جميع أشكال وتنوعات فشلنا في الحفاظ على حركة النهضة التي كانت تشهدها سوريتنا الغالية، ولإدراك ما أقول لابد من إعادة المشهد السوري قبل العدوان الإرهابي، والنظر إلى المشهد الآن، المهم أننا نطالب ونطمع بالوطن وننهش من خير الوطن دون أن نفكر لمرة واحدة ما الذي يريده الوطن من أبنائه.
ميساء نعامة
تم نشر هذا المقال في مجلة الأزمنة بتاريخ 15/03/2014