رغم عدم درايتنا كمتلقين بمدارس فن الكاريكاتير الذي يجسد الواقع على طريقته الناقدة والساخرة واللاذعة في معظم الأحيان، إلا أنّ مشهد المسيرة المليونية الباريسية ضد الإرهاب فاقت جميع المدارس التي تدرس فن الكاريكاتير لأنّ الصف الأول من المسيرة كان بحد ذاته رسماً كاريكاتيرياً يعجز عن تجسيده أهم فنان في هذا المجال.
لا يمكن أن يمر المشهد الذي جمع بين القاتل والضحية مروراً ساذجاً وبسيطاً، بل يجب أن نتلمس تبعات المشهد المرعب لقادة الإرهاب وهم يسيرون في مقدمة المسيرة المليونية ضد الإرهاب.
هؤلاء القتلة الذين شابكوا أيديهم في الصف الأول للمسيرة، احتالوا على الشعوب الغربية التي كانت ستندد بسياساتهم الداعمة للإرهاب، لكنهم استبقوا وصول شعوبهم إلى نقطة اللاعودة عن دعوة قادتهم لوقف تصنيع ودعم الإرهاب، فقاموا بحشد تلك الخلطة المقرفة من زعماء الإرهاب لتتحول المسيرة المليونية الباريسية إلى مسيرة قطيع.
الأهم في المشهد وجود القاتل نتنياهو الملاحق من قبل الجنائية الدولية على جرائمه المرتكبة ضد الفلسطينيين والعرب بشكل العام، وتبييض صفحته أمام الرأي العام الغربي بوصفه الحمل الوديع الذي ينادي بوقف الإرهاب، بل إنّ وجود نتنياهو في الصف الأول مع قادة الدول الغربي يمرر للعالم أخطر رسالة مفادها أنّ إسرائيل أصبحت دولة أمر واقع وعلى الجميع الوقوف إلى جانبها بما فيهم محمود عباس وملك الأردن وجميع العرب الذين باعوا الدماء العربية التي سفكت على يد الإرهاب الصهيوني ووقفوا جنباً إلى جنب مع قادة الإرهاب.
الحقيقة اليوم أنّ الإرهاب الراجع بدأ، ولا أحد يستطيع التخمين إن كان الهجوم الإرهابي في فرنسا مجرد بداية لجولة قد تمر في جميع العواصم الغربية؟
لعلنا نستبق الأمور إلا أنّ المعطيات تقول بأنّ العقد انفرط وحباته ستتناثر في غياهب الإرهاب.
تعبت الأقلام المقاومة وهي تذّكر من أصابهم مرض النسيان المتعمد، بأنّ القائد الخالد حافظ الأسد هو القائد الوحيد في تاريخنا الحديث على مستوى العالم استشعر خطر الإرهاب، وطالبت سورية عبر المنابر الدولية، في حينها، بمؤتمر دولي لمناهضة الإرهاب والقضاء على منابعه أينما وجدت مع التأكيد على أهمية بل ضرورة التفريق بين المقاومة والإرهاب.
وعندما يشبه الرئيس بشار الأسد في لقائه مع صحيفة ليتيرارني نوفيني التشيكية الإرهاب بالسرطان فقد وصف الحالة بشكل إجرائي دقيق، فما تقوم به سورية على أراضيها هو عمليات جراحية تساهم في الحد من انتشار الإرهاب لكنها وحدها لن تستطيع القضاء على الإرهاب إن لم يتم استئصاله من منابعه.
هذه الحقيقية مغيّبة أو غائبة عن مصنعي الإرهاب لأنّهم يتعاملون معه على اعتباره فايروس بسيط يمكن مكافحته بمجِرد الوصول إلى حدود الدول الغربية، لكن حساب الحقل لم يطابق حساب البيدر، والإرهاب وصل إلى عقر دار مصنعيه والحبل على الجرار، والوصفة الوحيدة للقضاء على الإرهاب هي كما وصفّها الرئيس الأسد عملية استئصال مكان تواجد الإرهاب.
فليوفر جميع من تعاطفوا مع جريدة شارل ايبدو الفرنسية دموعهم وأعصابهم المشدودة ووقوفهم في الساحات منددين بالإرهاب لأنّ الإرهاب موجود بينهم وعلى بعد أمتار قليلة منهم والسرطان لا علاج له إلا الاستئصال أو الموت فهل يبدأ العالم بعملية الاستئصال قبل أن ينتشر السرطان ويؤدي إلى فناء العالم؟!.
ميساء نعامة
تم نشر هذا المقال في مجلة الأزمنة بتاريخ 17/01/2015