اللعب على الأرض السورية انتهى

لم تعد تحالفات العدوان على القلب العربي بغاية القضاء على الجسد العروبي كله، ضميراً مستتراً، ولم تعد مقولة الشاعر،”إن لم تستح فافعل ما شئت”، تؤرق داعمي الإرهاب وعلى رأسهم الصهيونية العالمية والولايات المتحدة الأمريكية. إذاً: الحرب اليوم أصبحت معلنة هناك اتفاق تركي أمريكي إسرائيلي داعشي، وتبعية غربية مخجلة للقرار الصهيو_ أمريكي، وغباء عربي فاضح، لكن المشكلة ليست في انكشاف هذه التحالفات ولا في تبعية القرار الغربي أو غباء بعض القادة العرب، لأن ما كان مستوراً بالنسبة للبعض كان معلوماً وواضحاً بالنسبة لسورية ومحور المقاومة. المشكلة الحقيقية في تمادي بعض العربان بالوقوف في وجه محور المقاومة لمصلحة المشروع التدميري والتفتيتي للعروبة والإسلام بصفتيهما الأساس المتين لبقاء الحضارتين العربية والإسلامية على قيد الحياة. ويبدو السؤال الأكثر إلحاحاً هذه الأيام لماذا يتم ترويج العنف الداعشي؟ بل بصيغة أدق لماذا يتم إرسال أفضل المصورين والمخرجين الغربيين لمساعدة داعش في إنتاج أبشع صورة منسقة ومتعمدة وبدقة عالية ومشهدية واضحة؟ الإجابة تحتمل وجهين: الأول: نشر الرعب من التنظيم الإرهابي الذي ينشر العنف أينما حل، وبالتالي أمام هذا الوحش الجاهل لمعالم الحضارة والعيش الإنساني الراقي لابد من الاستنجاد بالغرب المتحضر واستجرار التدخل العسكري إلى المناطق التي تسيطر عليها داعش، ومن ثم وضع الأقطار العربية من جديد تحت الوصاية الغربية استناداً إلى المبدأ القديم الجديد إعادة تقاسم وتوزيع منطقة الشرق الأوسط استعمارياً.
 الوجه الثاني: إن داعش صنيع الصهيونية العالمية والاستخبارات الأميركية تؤدي دورها المطلوب منها بدقة متناهية في إثارة اليأس والخوف والرعب وتدمير جميع المعالم الحضارية القديمة منها والجديدة، والإيحاء بأن هذا التنظيم هو دولة متكاملة يجب أن يخضع لها الجميع.
 في سورية من الصعب أن يمر مشروع “الدمار الخلاق” ونتلقف المشروع بسذاجة بلهاء، لابد من التفكير والتفكر والنظر إلى المشهد بكليته لأن الجزئيات غالباً ما تشتت الناظر. نعود إلى التحالفات الدولية بمنتجها الأمريكي التركي الإسرائيلي ضد الإرهاب الداعشي في ظاهره، وضد الدولة السورية في باطنه، ونسأل إذا كانت القرارات الدولية مستباحة، لا هيبة لها ولا تطبيق إلا بما يخدم المصالح الأمريكية، بل إنها تطبخ في مراكز الاستخبارات البريطانية لغاية في نفس العقل الصهيوني. ما أهمية العودة إلى تلك القرارات وما فائدة الهيئات الدولية إذا كانت غير قادرة على تطبيق مبدأ احترام السيادة الوطنية للبلدان المستقلة وذات السيادة في قراراها وعلى أراضيها؟ العالم اليوم أحوج ما يكون إلى إعادة تركيب هيكلية جديدة وولادة نظام عالمي جديد يتخلص من أحادية القطبية كخطوة أولى، ومن ثم يعيد الهيبة والمصداقية لقرارات مجلس الأمن وللهيئات الدولية، ويسحب تبعيتها للولايات المتحدة الأمريكية لتصبح قراراتها موجبة التطبيق ولا تبقى حبراً على ورق كما هو حال القرار الدولي لمحاربة الإرهاب. بغير تلك الولادة الجديدة والشرعية لنظام عالمي متعدد الأقطاب سنبقى ندور حول الساقية الأمريكية وستستمر نظرية الدمار الخلاق، والفوضى الخلاقة والمخاض العسير، وسيظهر بدل داعش ملايين الدواعش بمسميات مختلفة. بالتأكيد الآمال كلها معقودة على محور المقاومة، والأرض السورية التي تشهد حرباً عالمية على أرضها، لابد أن تسجل الأحرف الأولى للمولود العالمي الجديد متعدد الأقطاب. وبحسب رأي معظم المنظرين السياسيين فإن النظام العالمي الجديد بدأ يتشكل فعلياً انطلاقاً من الأرض السورية، وانتصار سورية على حرب باتت فصولها وأبطالها معلنين، يعني أن النظام العالمي يسير باتجاه عالم متعدد الأقطاب واستفراد الولايات المتحدة الأمريكية بأحادية القرار واستخفافها بالقرارات والمنظمات والهيئات الدولية انتهى أوانه وزمانه.

ميساء نعامة

تم نشر هذا المقال في مجلة الأزمنة بتاريخ 28/02/2015

Scroll to Top