أتذكرون مشهد الصف الأول من المسيرة المليونية الباريسية ضد الإرهاب؟!
كنت قد ذكرت في مقال الأسبوع الماضي أنّه “لا يمكن أن يمر المشهد الذي جمع بين القاتل والضحية مروراً ساذجاً وبسيطاً، بل يجب أن نتلمس تبعات المشهد المرعب لقادة الإرهاب وهم يسيرون في مقدمة المسيرة المليونية ضد الإرهاب”.
نذّكر أيضاً بأنّ هولاند ونتنياهو وميركل وكاميرون كانوا يقفون جنباً إلى جنب مع عباس وعبد الله، وبعض العربان، المشهد يقول: بأنّ هناك قادة للإرهاب وهناك أدوات تنفذ ما يمليه عليها الأسياد.
السذاجة في الموضوع أن نقف عند هذا التحليل. فأن يسير قادة العالم جنباً إلى جنب مع الإرهابي نتنياهو فهذا يعني بأنّ الصهيونية العالمية هي السيد الذي يسيطر على القرار الدولي بكل ما فيه من مؤسسات ومنظمات وهيئات دولية، والمشهد يؤكد أنّ الصهيونية العالمية استحوذت على الضوء الأخضر في استصدار القرارات التي تخدم أحلامها في السيطرة على العالم.
وهي من يقرر متى تكشف النقاب عن وجهها الأسود ومتى تلعب بحجار الشطرنج في المنطقة.
العالم اليوم أصبح مسلوباً من قبل الصهيونية العالمية، والإشارات واضحة فالممثل الشرعي للصهيونية العالمية، حتى اللحظة، هو الإرهابي بنيامين نتنياهو، وعندما يسير نتنياهو في مقدمة المسيرة المليونية الباريسية ضد الإرهاب ويلوح بيديه الملطختين بالدماء العربية، للجمهور السائر في تلك المسيرة من فرنسيين وعرب وغرب متصهين، هو دليل واضح بأنّ الصهيونية العالمية ابتلعت العالم.
ومهما تباينت التحليلات حول تداعيات الهجوم الإرهابي على الجريدة الفرنسية التي أصبحت اليوم الأكثر شهرة بين الصحف الفرنسية والعالمية، “شارل ايبدو”، لابد من التوقف عند عدة تيارات فكرية عكست تناقضات في التحليلات السياسية والإعلامية.
نبدأ مع تيار فكري أنتج عنواناً عريضاً “الحرب ضد الإرهاب” تناوله المحللون وتلقفه معظم الإعلاميين الغربيين والعرب، أما محتوى التيار فيقول أصحابه: بأنّ الهجوم على الصحيفة الفرنسية هو ذريعة سيتخذها الغرب لحرب عالمية قادمة ضد الإرهاب على غرار تلك التي قادتها الولايات المتحدة الأميركية في حربها على الإرهاب بعد أحداث الحادي عشر من أيلول.
تعاظم تصديق هذا التيار بعد المسيرة المليونية في العاصمة الباريسية التي حُشد لها خلطة متناقضة من قادة الغرب وتصدرهم الإرهابي بنيامين نتنياهو..
التيار الفكري الثاني، تنبأ أصحابه بأنّ الإرهاب الراجع بدأ مسيره باتجاه الغرب ولاسيما بعد أن توعدت داعش على لسان أحد قادتها الموجود في باريس، بأن يرتفع العلم الأسود على قبتي البيت الأبيض وقصر الإليزيه.
انطلق أصحاب هذا التيار من أنّ الإرهاب متى فلت عقاله فلتت معايير ضبطه واستعصى على مصنعيه الإمساك به ولجمه.
هناك تيار فكري ثالث لا يجد له أنصاراً كثر يعتبر أنّ داعش هو التنظيم الإرهابي الذي بدأ يشكل ملامح دولة جديد تحت مسمى الإسلام، ولاسيما أنّ داعش بدأت تموّل نفسها بنفسها بعد أن وضعت يدها على بعض منابع النفط في سورية والعراق وسرقت البنوك العراقية وسطت على مخازن الأسلحة في بعض المدن العراقية التي انضوت تحت لواء العلم الأسود.
التيار الفكري الرابع يؤكد على أنّ داعش هي صنيعة الغرب المتصهين وأنّها مقدمة لدخول الاستعمار الحديث إلى منطقة الشرق الأوسط، وهو يتناغم مع التيار الأول، يؤكد أصحاب هذا التيار أنّ هناك خارطة جديدة لمنطقة الشرق الأوسط أولى ملامحها تقسيم المقسم في المنطقة على أساس الحدود الطائفية، وثاني ملامحها إعادة توزيع وتقاسم الثروات بين الدول الاستعمارية الجديدة، أما الملمح الأهم فهو تغذية الاقتتال وإطالة أمده بين الدويلات الطائفية إلى أن تفرغ المنطقة من الثروات.
لكن ما غاب عن أصحاب تلك التيارات الفكرية أنّ الإرهاب هو منتج صهيوني والعصا الغليظة التي تضرب بها كلّ من لا يتناغم مع سياساتها التوسعية والعدوانية في منطقة الشرق الأوسط بل والعالم.
وتأسيساً على ما تقدم لابد من التذكير بأنّ نتنياهو قبل أن يقدم على خرق القرارات الدولية في منطقة الجولان السوري ويضرب طيرانه في القنيطرة المحررة له دلالات كبيرة، في مقدمتها أنّ نتنياهو يجر المنطقة إلى حرب غير محسوبة النتائج، ثانياً أنّ نتنياهو قبل أن يقدم على هذا الخرق تلقى الدعم الدولي الكامل، ثالثاً أنّ جبهة النصرة ربيبة إسرائيل لم تعد قادرة على استجرار المزيد من الإجرام والإرهاب بحق الشعب السوري وعليه لابد من استبدال القناع بالوجه الحقيقي والظهور العلني لها على ساحة الحرب الدائرة في سورية.
سورية بعمقها الحضاري والتاريخي والقومي العروبي وعت مبكراً حقيقة ما يرنو إليه العقل الصهيوني وهي اليوم تكافح الإرهاب وتعد العدة مع محور المقاومة لمحاربة الإرهاب، وإذا كانت الصهيونية العالمية هي الحركة الإرهابية الأولى في العالم فإنّ محور المقاومة يدرك وجهة حربه الحقيقية ضد الإرهاب وإنّ غداً لناظره قريب.
ميساء نعامة
تم نشر هذا المقال في مجلة الأزمنة بتاريخ 24/01/2015