أبو العلاء من عليائه.. هيهات أن تعدموني

من غير المستغرب أن ينتهي زمن الشعر العربي، ففي زمن الجهل لا مكان إلا للقتل والذبح والتقطيع والتمثيل بالجثث.
يحق لنا أن نخجل من ماض راكَمَ لنا الحضارات واختلط بثقافات كبيرة فأسس لنا تراثاً لكثرة تنوّعه، خط الشعراء في ديوان أمة العرب أجمل الأشعار وأقوى القصائد لنجد فيه الكثير من الملاحم والبطولات والغزل والهجاء، والانتصارات والحماسة العربية الأصيلة لحماية الأمة والحفاظ عليها والتضحية بأغلى ما يملكه الإنسان لرد العدوان عنها.
اليوم ماذا سنقول للمتنبي، وأبي فراس الحمداني.. سنخجل من أبي القاسم الشابي، ونزار قباني ومحمود درويش، أما المعري فسنندب معه ثقافة عربية استُبدلت بهمجية تعود بنا إلى زمن اللاتاريخ واللاثقافة واللاحضارة.
بل سنستعيد ذكرى حرْق كتب ومؤلفات ابن رشد على يد أهل الجهالة، لنقول له هاهم أحفاد من نفوك وقتلوك وحرقوا كتبك، وأسقطوا فلسفتك الخالدة وعمادها العقل، يغتالون العقل والتاريخ والحضارة والإسلام.
هي معركة الوجود العربي نخوضها على أرض مهد التاريخ والديانات السماوية.
دمشق الجوهرة النادرة التي صُهرت بها ثقافات العالم وديانات العالم، وشرعت للتاريخ أبوابها فبدأ بها التاريخ، ومنها انطلقت حضارات الأمم. وتأسيساً على ما سبق فإن زيارة الكاردينال بشارة الراعي إلى دمشق لم تأت من قبيل الصدفة، أو الواجب الديني، بل هي مشاركة وجدانية حملت في أبعاد صلاتها لسلام الشام، وهج أصالة الحضارة العربية على امتداد جغرافية الشرق.
الشرق الذي آن له أن يمسح دمعة المسيح، وينتفض من كبوة التخلف المسلفن بجلباب الدين، والدين براء ممن لديهم شبق للقاء حوريات من نسج خيالهم القذر.
لعلّ الشعر العربي الأصيل يعود ليخطّ على صفحات التاريخ مستقبلاً جديداً، يولد من نزيف الحاضر ليتصل بماضٍ تليد، على وقع أجراس الكنائس وأصوات الآذان، فتتحد صلواتنا من أجل خلاص وطننا العربي، من رمد ربيعي قد يودي بنا إلى عمى كلّي.
وليس أفصح من أشعار المعري التي تختصر في معانيها كل ما يمكن أن يُرد به على مَن أعمى الله بصيرتهم وبصائرهم:

قد سار ذكري في البلاد فمن لهم …. بإخفاء شمس ضوؤها متكامل
وإني وإن كنت الأخير زمانه …. لآت بما لم تستطعه الأوائل
وأغـدو ولو أنّ الصّباحَ صوارِم…. وأسْـرِي ولو أنّ الظّلامَ جَحافل

ميساء نعامة

تم نشر هذا المقال في مجلة الأزمنة بتاريخ 15/02/2013