العفو البطولي

مصطلح سنسمعه كثيراً في قادمات الأيام وهو مترجم عن اللغة الفارسية، يقابله بلغتنا السياسية السورية سلام الأقوياء. في مطار نيويورك استعجل الرجل من مكتب الرئيس الأمريكي أوباما وطلب من الوفد المرافق للرئيس الإيراني حسن روحاني رقم الرئيس، ولأن العفو الإيراني بطولي تمّ إعطاء رقم الرئيس.
تعمدت السياسة الأمريكية إحداث الضجة المرافقة للمكالمة الهاتفية بين أوباما والرئيس الإيراني حسن روحاني وكأن السلام بين البلدين قد تحقق فعلاً، ولأن الإدارة الأمريكية شيمتها الكذب لم يعلن مكتب أوباما أن الرئيس الأمريكي هو من أجرى الاتصال مع الرئيس روحاني وليس العكس أو باتفاق مسبق بين الطرفين، بل إن الكذب الأمريكي وصل إلى حد أن الإدارة الأمريكية سرّبت أن المكالمة جاءت بعد تأكيد طهران رغبتها في حل الخلاف بشأن برنامجها النووي خلال أشهر. المهم أن التحليلات التي ملأت الصحف في الأيام الماضية ومازالت إلى الآن تتنبأ بنتائج المكالمة الهاتفية الحدث، منها مَن شطح بخياله التحليلي إلى انفراج وانفتاح غير مشروط بين الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، ومنها من كتب عن صفقة جرت بين الرئيسين مُررت من تحت طاولة الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومنهم من ذهب إلى أبعد ما يمكن أن يتصور العقل الواقعي إلى اعتراف إيران بإسرائيل والتخلي عن القضية الفلسطينية والتوقف عن دعم المقاومة اللبنانية وفك الارتباط بين سورية وإيران.
أما الصحافة الإسرائيلية فقد أبدت تخوفاً ملفتاً من التقارب الهاتفي بين أوباما والرئيس روحاني، الأمر الذي أفقد رئيس وزراء العدو الصهيوني صوابه فقال في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة: “إسرائيل لن تسمح لإيران بالحصول على أسلحة نووية. وإذا اضطرت إسرائيل للوقوف وحدها، ستقف إسرائيل بمفردها.” وتمادى نتنياهو في شطط وقاحته لدرجة وصف الرئيس الإيراني بأنه “ذئب في ثوب حمل”. من السذاجة بمكان تصديق كل التحليلات الصحفية وحتى السياسية الناتجة عن المكالمة الهاتفية الحدث بين الرئيسين الإيراني والأمريكي، كما إنه من السذاجة تصديق الكذب الأمريكي، ومن المبالغة أخذ التهديدات الصهيونية التي جاءت على لسان الأرعن نتنياهو على محمل الجد. من يعرف الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد ثورة شباط 1979 وقرأ مبادئ واستراتيجية القائد الخميني لا يمكن أن ينجرف خلف البروبغندا الإعلامية الأمريكية، فيكفي أن نستحضر ما قاله القائد الخميني عن الدول المستكبرة التي تعتبر “استعمار الشعوب واستثمارها واستعبادها أمراً ضرورياً ومنطقياً ومنطبقاً على جميع المبادئ والموازين الدولية”. ويكفي أن نرصد حركة الصعود التي شهدتها إيران منذ العام 1979 إلى الآن رغم الحصار والعقوبات الجائرة بحق الشعب الإيراني وإصرارها العنيد على حقها في امتلاك وتصنيع الطاقة النووية لأسباب سلمية أرغم الجميع على الاعتراف بها كقوة عظمى في المنطقة والعالم.
من هنا يمكن أن نفهم سرّ المكالمة الحدث، بأن إيران مستعدة للانفتاح على الغرب من منطلق العفو البطولي أي سلام الأقوياء؛ فالجمهورية الإسلامية الإيرانية أمة قوية لها جذورها التاريخية الممتدة إلى عهود طويلة من العلم والفلسفة والحضارة والتاريخ. هذا الانفتاح “إن حصل” فهو انفتاح قوي ونِدّي وإن الدول المستكبرة باتت تعي تماماً أن دولاً عظمى في طريقها لاستلام دفة الحكم في النظام العالمي الجديد.
وبعد؛ نقطة البداية لتشكيل نظام عالمي جديد يسجله الانتصار السوري على الإرهاب الدولي المنظم، وقوة التماسك بين أقطاب محور المقاومة هي التي ستشكل في القريب أقطاب النظام العالمي الجديد. فهل ندرك عمق مقولة العفو البطولي؟

ميساء نعامة

تم نشر هذا المقال في مجلة الأزمنة بتاريخ 04/10/2013

Scroll to Top