على مدى عهود وقرون طويلة كان الصراع في سورية وعلى سورية ومن أجل ابتلاع سورية. الصراع بحد ذاته لا يمكن أن يحدث إلا بين الدول الكبرى، أما الاستعمار فهو دولة قوية تستبيح دولاً ضعيفة وتستنزف ثرواتها وإمكانياتها المادية والبشرية والطبيعية وتسخرها لمصالحها الخاصة.
لطالما حمل الصراع في منطقة الشرق الأوسط مضمون الاستعمار والاستعباد والاستغلال، واتبعت الدول الاستعمارية جميع الوسائل التي تضمن لها غايتها الأولى والأخيرة استعباد الشعوب الضعيفة ونهب ثرواتها والإبقاء على عناصر الضعف؛ وفي مقدمتها الفقر والتخلف والجهل والتبعية الاقتصادية والعسكرية والفكرية.
استمر حال الصراع بمضمونه الاستعماري إلى أن ظهرت في الوطن العربي بوادر النهضة العربية الجديدة التي تآلفت مع جميع الأيديولوجيات المتنورة والمتحفزة للتحرر من جميع أنواع التبعية للغرب وخاصة التبعية الفكرية، لتنج فكراً رائداً في العصر الحديث وهو الفكر المقاوم.
سورية.. هي الأرض الخصبة لنمو الفكر المقاوم وانتشاره لتستبدل الصراع من مفهومه الاستعماري إلى مفهومه الأساس، فيتحول الصراع على سورية إلى صراع مع سورية.
ليس من قبيل الصدفة أن تكون سورية مرآة للسياسات الدولية المتنافسة وليس من قبيل الصدفة أن تعكس سورية هذه السياسات المتعارضة وتعيد إنتاجها لتصبح سورية رأس الحربة في إرساء التوازنات السياسية العالمية أو حتى تغييرها بما يتلاءم وحجم الموقع الاستراتيجي لسورية، بل وحجم المقاومة السياسية والعسكرية لها.
ما يحدث اليوم في سورية هو صراع بين الدول الكبرى ليس بالحجم بل بالقدرة المتمكنة والقادرة على إدارة الملفات الأكثر خطورة على مستوى العالم، من هنا كان حجم التحولات في السياسات العالمية كبيراً فاق كل التصورات وخاصة تصورات أقزام السياسة القاصرة، الذين ظنوا بأفقهم المحدود أن سورية من الممكن أن تكون ملعباً للصراعات الدولية بينما هي في حقيقة الأمر اللاعب الأساس في إدارة الصراع.
أرخى أغبياء السياسة العنان لمخيّلاتهم، متناسين أن مفتاح الشرق لا يمكن أن يأمن على نفسه من غدرهم وحقدهم إلا في يد مَن حفظ الأمانة ويحفظها اليوم بكل اقتدار متحدياً أبشع الهجمات الجاهلية التي لم يسجل التاريخ مثيلا لها. سورية بشعبها وجيشها ورئيسها تدفع الأذى عن الشرق بركيزتيه الأساسيتين العروبة والإسلام، مثلما تعيد إنتاج عالم جديد متعدد الأقطاب ينهي الهيمنة الأمريكية الصهيونية على العالم، وينهي معها كل مشاريع التقسيم والتدمير المبيتة لكل البلدان التي تقع في دائرة مصالحها، ليسهل لها السيطرة على مقدراتها وثرواتها….
ويبقى الخطأ الاستراتيجي لدول الاستعمار الجديد وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية.. أنها تجرأت على قلعة الصمود وقائد محور المقاومة في المنطقة.. وهي لا تدرك أن مشروعها المتعدد التسميات سيتوقف عند عتبات دمشق المقدسة.. وأن المخطط الذي دمر معظم الدول العربية، فُكك وتمزقت خرائطه وخيوطه الواهنة في سورية.
وبعد، أمريكا تعربد وتهدد وترعد وتزبد، وهاهي اليوم تستبيح خصوصية قادة دول العالم فماذا هم فاعلون؟ لقد صدّرت سورية بصمودها في وجه الحرب والعدوان دروساً في مواجهة المخرز وردِّه على أدباره.. فهل يتعلم قادة العالم الدرس السوري؟.
ميساء نعامة
تم نشر هذا المقال في مجلة الأزمنة بتاريخ 02/11/2013