المراقب لأحداث الحرب على سورية لاسيما البدايات؛ يلاحظ سلوكيات بعيدة عن أخلاق وقيم وقوانين المجتمع السوري بكل ما يملك من حضارة وتاريخ؛ ابتداءً من أول نوته موسيقية إلى أول مغنية” أورنينا” إلى لوحة الأبجدية الأولى في أوغاريت.. والأمثلة لا تنتهي ولا تقف عن حد مواكبة القيم الأخلاقية والحضارية لمجريات التطور الإنساني الحاصل في سورية.
فجأة شعرنا بأن هناك فراغاً أو هوة كبيرة بين الأخلاق واللاأخلاق وبين المجتمع القيمي الذي تحكمه القوانين والأنظمة إلى مجتمع الفوضى الذي جنح باتجاه تحطيم الرموز والخروج عن السلوك الأخلاقي باتجاه اللاأخلاق.
وإذا دققنا في مشهد الأحداث سنجد أن إشاعة الفوضى ونبذ الأخلاق والقيم هي من تعاليم الصهيونية العالمية التي من أهم أهدافها إشاعة الفوضى وتحطيم النظام القيمي والأخلاقي لخدمة مصالحها في إدارة حكم العالم وفق رؤيتها التي تسعى من خلالها إلى تجريد الأمم والبلدان من تاريخها وجذورها وخصوصية حضارتها.
نعود إلى موضوع الأخلاق وبغضِّ النظر عن الأغراض البعيدة لإشاعة الفوضى اللاأخلاقية، الجميع اتهم الجميع بينما تعامَينا عن المساهمة في ردم الفجوة اللاأخلاقية.
وإذا ما صغّرنا دائرة البحث إلى مستوى البيئة المنزلية الأولى والبيئة المدرسية التي تعتبر الحلقة الثانية في اكتساب المعارف والنظم الأخلاقية والتربوية، لفترة قريبة وجدنا أن المدرسة تلقي اللوم على الأهل والأهل يلقون اللوم على المدرسة.
قبل أسبوع تقريباً اتصلت بي السيدة سمر سكر “مديرة مدرسة ساطع الحصري” -وكم نتمنى أن تحمل مدارسنا وشوارعنا الأسماء بكل ما تحمل هذه الأسماء من غنى معرفي وتاريخي ومجتمعي لا أن تبقى لوحة مجردة-.. المهم اتصلت بي السيدة الفاضلة في دعوة لمجلس أولياء الأمور تحت عنوان: التربية قبل التعليم، أعجبت بالعنوان لدرجة أني قلت لها سأشرك الإعلام بهذه البادرة الرائعة وسنحوّلها من مجرد اجتماع أولياء أمور اعتدنا أن يكون واجباً ثقيلاً، إلى حالة توصيفية لأمراض اجتماعية بدأت تنتشر.
كان لابد من الاتصال بوزير التربية وفقاً للنظام واستئذانه في إشراك الإعلام بالحالة التربوية، فأبدى د. هزوان الوز تجاوباً مباشراً وأشرك في الورشة المصغرة داخل المدرسة السيد سليمان يونس معاون مدير تربية دمشق.
تجاوبُ د. الوز أعطى للاجتماع البعد الذي كنا نأمله في تفاعل حقيقي بين الأهل والكادر التدريسي في المدرسة والمسؤولين في الوزارة، والحقيقة أنني ذهلت لمستوى الرقيِّ في عملية التفاعل بين الأهل وحرصهم الكبير على تحلي الأبناء بالقيم التربوية والأخلاقية لما فيه خير الوطن وخلاصه من أزمته والكل أجمع على ضرورة وجود مادة الأخلاق ضمن المنهاج التعليمي.
حمل الاجتماع اقتراحات عدة منها الاستغناء عن مادة الديانة “الإسلامية والمسيحية” على اعتبار أن الجامع الحاضن للأديان هو الأخلاق فإدراج مادة الأخلاق في مناهجنا أصبحت ضرورة ملحة، وكحل إسعافي لابد من تخصيص الربع ساعة الصباحية في جميع مدارسنا الابتدائية والتعليم الأساسي والثانوي للحديث عن القيم الأخلاقية والأسلوب الأمثل للتعامل السلوكي بين أفراد المجتمع وهو ما كان يحصل على زماننا وكنّا نتعلم كيف أن الأخلاق تقتضي أن يحترم الصغير الكبير والكبير يعطف على الصغير واحترام الوالدين واحترام الرموز وغيرها من القيم الأخلاقية.
إضافة إلى تفعيل حقيقي للمرشدين النفسيين والاجتماعيين وهو ما وجدناه بأبهى صورته عند السيدة ميادة المشرفة النفسية في مدرسة ساطع الحصري.
المهم لابد من الاستفادة واستثمار نجاح الاجتماع المصغر لتفعيله وتعميمه والحفاظ على استمراريته وصولاً إلى إقامة ورشات عمل بين وزارة الإعلام و وزارة التربية ونادي المراسلين الشباب وأهالي الشباب واليافعين للبحث الجاد في آلية ردم الفجوة بين التربية داخل المنزل والمدرسة ومن ثم التربية غير المقصودة التي يتلقاها شبابنا في الحي.
هو اقتراح برسم المسؤولين في وزارتي الإعلام والتربية.
بقي أن نشكر السيدة سمر سكر مديرة مدرسة ساطع الحصري على مبادرتها الصغيرة التي يمكن أن تصبح عظيمة إذا ما اعتمدنا تفعيلها في ورش عمل متلاحقة تحظى باهتمام ورعاية السيد رئيس مجلس الوزراء، لأن اليافعين والشباب هم أمانة في أعناقنا جميعاً ومن واجب الحكومة الاهتمام المباشر بهم عبر مؤسسات حكومية وهيئات المجتمع الأهلي.
ميساء نعامة
تم نشر هذا المقال في مجلة الأزمنة بتاريخ 07/12/2013