سر الياسمين الدمشقي!!

بعيداً عن المشهد الحالي.. ونقصد هنا العربي، وما تفرزه مسببات المخاض المؤلم الذي أراده الغرب لنا فترجمناه نحن العرب بأبشع صور الإجرام الذي عجز عن تخيّلها الأدباء على مر العصور..
هي دعوة لمغادرة المشهد الآني بكل ما فيه من مشاهد دموية وأشلاء لجثث تتطاير بفعل الآلة الإجرامية التي لا تفرِّق بين البشر والحجر؛ نغادر حاضرنا المؤلم بكل مخلّفاته إلى زمن ما قبل قبل الأزمة وما قبل قبل هو مؤشر بداية انهيار القيم الأخلاقية التي مهّدت لدخول وطننا العربي في أتون الحرب الربيعية الموجعة..
نعود بالزمن عبر تداعيات أحلامنا الجميلة، إلى شلالات الياسمين التي تتدلى بغنج ودلال على كتف جدران المدينة الدافئة بالحب الذي يغمر سكانها؛ نتذكر تلك الأيام الجميلة التي تجمع بين جيران الحي الذين تقاسموا أطباق الطعام كما يتقاسمون الوجع والألم والفرح، هي بمجملها مجموعة قيم أخلاقية فقدناها وفقدنا معها إغاثة الملهوف والكرم والشجاعة والمروءة ورابطة الدم وصلة الرحم وفرحة اللقاء بالأحبة وغصة فراقهم..
اليوم وقد فقدنا الإحساس بالحب وأصبح الموت يلاحقنا في صحوتنا ومنامنا بتنا ننشد السلام في أحلامنا بانتظار أن يتحقق الحلم ويعود بنا الزمان إلى هاتيك الأيام الجميلة التي كان لها عنوان عريض هو الحب.
وبعد؛ أين المفر من سؤال يدور في خاطر كل سوري، موالٍ أو معارض، ونستثني كل سوري أشهر السلاح في وجه أخيه السوري، هل يمكن أن يعود الود بين السوريين؟ وهل يمكن أن نعود إلى العيش المشترك؟ بل هل يمكن أن يعود الحب وتظلل الألفة قلوب جميع السوريين؟ هي أسئلة برسم الزمن القادم من رحم الوجع والآهات والأيام العصيبة.
يقال بأن الأمل يلتقط أنفاسه من الوجع المسكون في قلوب أتعبها الحزن وأدماها الألم وأثقل كاهلها انهيار الأخلاق على بوابات الجهل والتخلف.. أجل هو الأمل الذي يسكن معنا ويجعل أحلامنا تتداعى بعيداً عن الحرب وهمومها وضحاياها ومسببيها ومموّليها وتجارها، ونقترب من الياسمين الدمشقي الذائع الصيت بعبق رائحته وجمال منظره وكثرة تمدده المحبب على جدران حدائق دمشق وبيوتها، وإشراقة البياض في لونه المتفرد. نقترب من الياسمين الدمشقي لأنه يشبه سوريتنا الغالية فكم من زهرات تساقطت على الأرصفة وكم من أقدام داست عليها وكم من أشخاص انحنوا لالتقاط الزهرات عن الأرض وضمّها في عقد جميل تزيّن جيد الحبيبات.
والغريب الفريد الذي يميز الياسمين الدمشقي القدرة العجيبة على العطاء فما تحمله شجرة الياسمين من زهرات تضيف سحراً خاصاً على مدينة الياسمين أكثر بكثير مما يتساقط على الأرصفة.. وهنا يكمن السر الياسميني؛ فشجرة الياسمين ولّادة ومحال أن تتوقف عن طرح الأزهار، وهو حال سوريتنا الجميلة الحبلى دائماً بمواسم الخير والعطاء والحب والياسمين.

ميساء نعامة

تم نشر هذا المقال في مجلة الأزمنة بتاريخ 11/01/2014

Scroll to Top