مما لا شك فيه أن العقلية الاستعمارية تتطور مع تطور العالم، فلم يعد من الممكن أن تحرك الدول الاستعمارية جيوشها الجرارة وبوارجها الحربية في الوقت الذي تمتلك معظم الدول, بما فيها دول العالم الثالث والوطن العربي ضمنه حكماً, وسائل قتالية تطيح ببارجة قتالية بحالها وهذا ما فعلته المقاومة اللبنانية في حرب تموز 2006.
وتأسيساً على ما ذكر لم تعد الدول الاستعمارية قادرة على المغامرة بجنودها وعدّتها وعتادها، حتى أنها لا تستطيع المغامرة بهيبتها التي قد تكون وهمية أو أوهن من خيوط العنكبوت.
في السياسة الأمريكية يُتبع ما يسمى تصنيع العدو الوهمي كفزّاعة مفترضة لإرهاب العالم ومن ثم السيطرة على مقدراته.
فعندما صدّرت لنا الولايات المتحدة الأمريكية مصطلح إسلاموفوبيا لم تصدّره بشكل عبثي أو آني أو اعتباطي أو انتقامي أو حتى إعلان حرب على الإسلام.. الموضوع أكبر من ذلك بكثير.
الولايات المتحدة الأمريكية وضعت خططها واستراتيجياتها لإشادة إمبراطورية أمريكا العظمى غايتها السيطرة المطلقة على العالم بمقدراته وشعوبه وجغرافيته، وتاريخيه وحضاراته.
ولتمرير هذا المشروع التسلطي كان لابد من استراتيجية ومخطط والاستعانة بنخبة النخب من المحللين والعلماء والمفكرين وحتى الفنانين والسياسيين..
نعتقد أن المشروع اعتمد على ركيزتين أساسيتين:
الأولى: نظرية العدو الوهمي والثانية: نظرية العولمة الأمريكية.
أما الأولى فقد وجدت الولايات المتحدة الأمريكية في الإسلام الهدف الكبير الذي يمكن تحويله إلى عدو وهمي يحقق لها غايتين بآن واحد أولها عدم الالتفات إلى جرائم أمريكا في حق شعوب العالم، بداية مع شعوب الهنود الحمر وليس انتهاء بالشعب العراقي وجرائمها في أبي غريب وملايين الضحايا أثناء العدوان الأمريكي على العراق الشقيق.
والغاية الثانية القضاء على الإسلام باعتباره الخطر الكبير الذي يهدد قيام الإمبراطورية الأمريكية، فابتكرت حربها على الإرهاب الإسلامي وصنعت إسلاماً تكفيرياً لا يشبه الإسلام الحقيقي ولا يمت له بصلة. وكان لها ما أرادت فشوهت الإسلام وأفرغته من جوهره.
أما العولمة الأمريكية فقد اشتغلت عليها الولايات المتحدة الأمريكية منذ زمن طويل إلى جانب الصهيونية العالمية على اعتبار أنهما يملكان مفاتيح التطور لكنهما تفتقدان للوجود الحضاري، وعليه يجب صهر جميع الحضارات وتماهيها مع التطور الأمريكي الذي يقود في نهاية المطاف إلى إلغاء الحضارات وإزالتها.
فهل ندرك نحن العرب إلى أي مجهول نُساق؟
المجهول الذي تقودنا إليه ثنائية الإرهاب.. الصهيونية العالمية والولايات المتحدة الأمريكية هو الإلغاء النهائي للوجود العربي والإسلامي وبذلك تكون ثنائية الإرهاب قد حققت مبتغاها في عملية إلغاء الحضارات الإنسانية وكل ما تحمله من إرث ثقافي وإنساني لأكبر حضارتين في تاريخ الوجود، الإسلام والعروبة.
ما تسعى إليه ثنائية الإرهاب أخطر بكثير مما قد يتصوره العقل البشري، فأن تمسك هذه الثنائية بزمام أمور العالم فلن يتم بشكل سلمي أو عابر بل سيكون على أنقاض حضارات إنسانية ستطمر تحت الركام بعد أن تحوّل العالم إلى فوضى خلاقة أو بناءة أو غيرها من التسميات التي لا يحبذ سماعها البعض لكنها أصبحت حقيقة واقعة.
وقد يقول قائل بأن الفوضى هي الفوضى أي لا يمكن أن تكون خلاقة أو بناءة بل هي دائماً هدامة.
نقول هذا الكلام سليم مئة بالمئة، لكن بالنسبة لنا نحن العرب الذين لا نعلم مرامي أو أهداف عملية ربط الفوضى بالبناء أو الخلق.. لا يمكن أن يمر المصطلح الذي أثارته وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس مروراً عابراً بل إنها الحقيقة التي تسعى ثنائية الإرهاب لتطبيقها ونشرها فالفوضى تتيح السيطرة وإعادة البناء على الأنقاض؛ من هنا يمكننا فهم ربط الفوضى بالبناء.
يبقى أن نقول: إن الإرهاب هو الوسيلة الأكثر فعالية والأقل تكلفة لحصول ثنائية الإرهاب على مراميها وأهدافها.
لكن هذه الثنائية أصابها مسّ من الجنون على الأرض السورية فلم تضع في حساباتها ومخططاتها أن يتوقف مشروعها الإرهابي على الأرض السورية بل لم تك تتوقع أن ينبثق نظام عالمي جديد انطلاقاً من سورية. بعد الصفعة القاسية التي مُنيت بها الصهيونية العالمية والولايات المتحدة الأمريكية لعلهما تبحثان عن مخرج آخر يضمن ما يكفي لغسْل وجوههم القبيحة وربما يكون السبيل الموافقة على قرار دولي يدعو لمحاربة الإرهاب، ربما من يدري؟!.
ميساء نعامة
تم نشر هذا المقال في مجلة الأزمنة بتاريخ 01/03/2014