الأسد يواجه التحديات الكبرى عند قراءة خطاب القسم في السابع عشر من تموز للعام 2000، بدا الرئيس بشار الأسد ذلك الشاب المبهر القادم من المستقبل ليرسم بطريقة منهجية علمية واضحة الملامح، مرتكزة على علم ودراية بتفاصيل التاريخ السوري والعربي، ملامح مرحلة جديدة لسورية التاريخ والحضارة، شعارها التطوير والتحديث.
اعتبر الكثير من فقهاء السياسة والمتابعين على المستوى المحلي والعربي والدولي أن خطاب القسم للرئيس بشار الأسد هو برنامج عمل حقيقي سلط الضوء على العديد من الثغرات الموجودة في المجتمع السوري ووضع الحل المشترك بين الحكومة والشعب والقيادة، على اعتبار أن الرئيس لا يملك عصاً سحرية بقدر ما يحتاج بناء سورية إلى تضافر جميع الجهود، من أجل التخلص من كل السلبيات التي يعاني منها المجتمع السوري حتى في العادات والتقاليد، وتدعيم الإيجابيات وخلق حالة إبداعية جديدة تساهم في انتقال سورية إلى مصافّ الدول المتطورة.
هذا الطموح الجامح والمخزون الفكري والمعرفي، الذي أهّل الرئيس الأسد لإطلاق نظريات جديدة على مستوى تطوير الواقع المجتمعي للشعب السوري، أزعج الصهيونية العالمية التي تدير المشاريع والخطط الإرهابية من قلب الولايات المتحدة الأمريكية. وكان لسورية حصتها في تلك المخططات، ويبدو أن مفردة الربيع العربي كان يحضَّر لها منذ العام 2000، وما إطلاق مصطلح ربيع دمشق إلا طعم لإطلاق لوثة الربيع العربي فيما بعد.
ما شهدته سورية مع تسلّم الرئيس بشار الأسد من انفتاح فكري وإعلامي وتربوي وسياسي واقتصادي ووضع استراتيجية وطنية طموحة، دفع بالصهيونية العالمية لإدخال عملائها في مواجهة غير مباشرة مع الدولة السورية. وبدأ التشويش على المشروع النهضوي الذي خطط له الرئيس الأسد، فقد استغل بعض السوريين الذين يقبضون رواتبهم من الغرب الاستعماري حالة الانفتاح الفكري التي أطلقها الرئيس الأسد ليعقدوا المنتديات المناهضة للمشروع الوطني ويتلقوا تعليماتهم من الغرب بإطلاق ما سُمي ربيع دمشق. إلا أن الغالبية العظمى من الشعب السوري أرادت أن تعيش جميع فصول السنة توافقاً مع الطبيعة الجغرافيّة والإلهيّة، وتماشياً مع المنهجية العلمية لقائد شاب اختاروه بملء الإرادة وبالأغلبية الشعبية أن يكون الرئيس المؤتمن على مصير الوطن.
انتصار الرئيس الأسد على التحدي الأول الذي واجه حكمه، لم يرُق للصهيونية العالمية القابعة في مقر الإدارة الأمريكية، فكان التحدي الكبير للرئيس الأسد مواجهة الحرب على الإسلام بعد أحداث 11 أيلول 2001. لقد أدرك الرئيس الأسد التداعيات الخطرة لإطلاق الإدارة الأمريكية مصطلح إسلاموفوفيا، وأن خلف هذا المصطلح تخفي الولايات المتحدة الأمريكية عدواً وهمياً ستحرك لأجله جحافل أسطولها الحربي، وبالفعل كانت الحرب الأمريكية على العراق في العام 2003 الفاتحة لدخول سورية وابتلاع الوطن العربي” وفقاً للمخطط الصهيوني”، إلا أن الصمود السوري والوقوف في وجه الاحتلال الأمريكي للعراق الشقيق، وفضائح الديمقراطية الأمريكية في سجن أبو غريب وغيرها، أحبط المخطط وأبعد شبح الاجتياح الأمريكي عن سورية لأن الإدارة الأمريكية كانت تغرق في مستنقع حربها الظالمة على العراق.
ومع كل تلك المصائب على الوطن العربي استمرت سورية في منهجها التطويري والنهضوي فقد تم إطلاق العنان لتطوير منظومة القوانين السورية بما ينسجم والتطور المجتمعي على الصعيد السوري والعربي والعالمي، إضافة للانفتاح الاقتصادي والمصرفي والتجاري، كان الانفتاح التعليمي والسماح بإحداث جامعات سورية خاصة وتطوير المناهج التعليمية وتطوير التطبيق العملي التكنومعلوماتي، وزيادة عدد المشافي والمدارس العامة والاستمرار بالدعم الحكومي لمعظم الخدمات التي تحمي المواطن السوري من الحاجة ابتداءً من الدعم الحكومي لرغيف الخبز وليس انتهاءً عند الدعم الصحي وتأمين الدواء الاستراتيجي للأمراض المستعصية بأقل الأثمان.
كما أن الرئيس الأسد أثناء حضوره لمؤتمرات القمة العربية وتوصيفه الدقيق لمشكلات الأمة العربية جعلته يكسب جماهيرية واسعة من الشعوب العربية التي وجدت فيه الأمل الحقيقي في انتشال الأمة من حالة الضياع والتشتت، وتشهد وسائل الإعلام العربية والعالمية على انبهار أهل السياسة والإعلام بخطب وكلمات الرئيس الأسد لدرجة أن الشعوب العربية كانت تنتظر من القمم العربية خطاب الرئيس الأسد وتكتفي بذلك.
حضور الرئيس الأسد لمؤتمرات القمة رغم يقينه التام بأن معظم الرؤساء العرب قرارهم مرتبط بالقرار الأمريكي، إلا أنه كان يحضر تلك القمم العربية من باب التضامن العربي وعينه على الشعوب لأن الأمل بالرؤساء كان ضعيفاً جداً. التحدي الأخطر الذي واجهه الرئيس بشار الأسد، هو الزلزال الكبير الذي أحدثته الصهيونية العالمية في لبنان الشقيق في العام 2005 والتداعيات الخطرة المحسوبة سلفاً من قبل الصهيونية وعملائها على سورية.
ميساء نعامة
تم نشر هذا المقال في مجلة الأزمنة بتاريخ 10/05/2014